والمراد الإحالة على علماء أهل الكتاب الصادقين ووصفهم بالعلم ، لا وصف النبيصلىاللهعليهوسلم بالشك ، قال ابن عباس : لا والله ما شك طرفة عين ، ولا سأل أحدا منهم ، وقال : «لا أشك ولا أسأل ، بل أشهد أنه الحق» كما ذكر قتادة وسعيد بن جبير والحسن البصري.
والرأي الأولى كما ذكرت في بيان المفردات : أن الخطاب للسامع أو للنبي صلىاللهعليهوسلم والمراد به أمته ، وهذا تعبير مألوف بين العرب. كما أن افتراض الشك في الشيء لنفي احتمال وقوعه مألوف أيضا لدى العرب ، فيقول أحدهم : إن كنت ابني حقا فكن شجاعا. وذلك مثل قول عيسى عليهالسلام : (إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ) [المائدة ٥ / ١١٦] فهو يعلم أنه لم يقله ، ولكنه يفرضه ليستدل على أنه لو قاله لعلمه الله منه.
قال البيضاوي : وفي الآية تنبيه على أن كل من خالجته شبهة في الدين ينبغي أن يسارع إلى حلها بالرجوع إلى أهل العلم.
(لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ..) أي تالله لقد جاءك الحق واضحا لا مرية فيه ولا ريب ، بما أخبرناك في القرآن ، وبأنك رسول الله ، وأن اليهود والنصارى يعلمون صحة ذلك ، لما يجدون في كتبهم من نعتك وأوصافك ، فلا تكونن من الشاكين في صدق ما نقول.
وفي هذا تثبيت للأمة وإعلام لهم أن صفة نبيهم صلىاللهعليهوسلم موجودة في الكتب المتقدمة التي بأيدي أهل الكتاب ، كما قال تعالى : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ) [الأعراف ٧ / ١٥٧].
وهذا النهي : (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ) تعريض بالشاكين والمكذبين للنبي صلىاللهعليهوسلم من قومه.