الكائنات بمشيئة الله تعالى ؛ لأن كلمة (لَوْ) تفيد انتفاء الشيء لانتفاء غيره ، فقوله : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ) يقتضي أنه ما حصلت تلك المشيئة ، وما حصل إيمان أهل الأرض بالكلية ، فدل هذا على أنه تعالى ما أراد إيمان الكل (١).
ولقد أوردت في بيان المفردات مذهبي أهل السنة والمعتزلة في تفسير (وَلَوْ شاءَ) هل المشيئة مشيئة القسر والإلجاء ، أم مشيئة الخلق والإرشاد والهداية؟ وفسر القرطبي الآية بقوله : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ) لاضطرهم إليه ، أي إلى الإيمان.
٤ ـ الإكراه في الدين ممنوع ، لقوله تعالى : (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) قال ابن عباس : كان النبي صلىاللهعليهوسلم حريصا على إيمان جميع الناس ؛ فأخبره الله تعالى أنه لا يؤمن إلا من سبقت له السعادة في الذّكر الأول ، ولا يضلّ إلا من سبقت له الشقاوة في الذكر الأول.
٥ ـ احتج أهل السنة على قولهم : «أنه لا حكم للأشياء قبل ورود الشرع». بقوله : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) وجه الاستدلال به : أن الإذن عبارة عن الإطلاق في الفعل ورفع الحرج ، وصريح هذه الآية يدل على أنه قبل حصول هذا المعنى ليس له أن يقدم على هذا الإيمان.
٦ ـ احتج أهل السنة أيضا على قولهم : بأن خالق الكفر والإيمان هو الله تعالى بقوله تعالى : (وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) وتقريره أن الرجس هو العمل القبيح ، سواء كان كفرا أو معصية ، فلما ذكر الله تعالى فيما قبل هذه الآية أن الإيمان لا يحصل إلا بمشيئة الله تعالى وتخليقه ، ذكر بعده أن
__________________
(١) انظر تفسير الرازي : ١٧ / ١٦٦ ، وكذا ص ١٦٧ للحكم رقم (٥) ، وص ١٦٨ للحكم رقم (٦).