النبوة ، أمر رسوله بإظهار دينه ، وبإظهار المفارقة بينه وبين الشرك وما عليه المشركون من عبادة الأوثان والأصنام التي لا تضر ولا تنفع ، وأن النافع الضار هو الله الذين خلقهم ، فتخرج عبادة الله من حالة السر إلى الإعلان.
التفسير والبيان :
يأمر الله تعالى رسوله صلىاللهعليهوسلم بأن يقول لأهل مكة وغيرهم من الناس إلى يوم القيامة : إن كنتم لا تعرفون ديني ، فأنا أبينه لكم على سبيل التفصيل ، وإن كنتم في شك من صحة ما جئتكم به من الدين الحنيف الذي أوحاه الله إلي ، فاعلموا وصفه وأنه لا مجال للشك فيه ، وهو أني لا أعبد الذين تعبدون من دون الله ، من حجارة وغيرها ؛ لأنها لا تضر ولا تنفع ، بل أعبد الله وحده لا شريك له ، الذي يتوفاكم كما أحياكم ، ثم إليه مرجعكم ، وأن أكون من المؤمنين إيمانا حقا بالله ، العارفين به تمام المعرفة.
وفي هذا تعريض بأن الدين الحق لا يشك فيه ، ويستحسنه ذوو العقول الصحيحة والفطر السليمة ، وأما عباده الأصنام فمقطوع ببطلانها ؛ لأنها لا تعقل ولا تضر ولا تنفع ، ويستنكرها كل عاقل ، فإنها أحجار!!.
ويلاحظ أنه تدرج من نفي عبادة غير الله ؛ لأن الإزالة في كل شيء بقصد إصلاحه مقدمة على الإثبات ، والتخلي مقدم على التحلي ، ثم انتقل إلى إثبات عبادة الله ، ليبين أنه يجب ترك عبادة غير الله أولا ، ثم يجب الاشتغال بعبادة الله ، ثم انتقل إلى ذكر الإيمان والمعرفة بعد العبادة التي هي عمل جسدي ، ليدل على وجوب تطابق العمل مع الاعتقاد ، فإنه لا جدوى لعمل ما لم ينبع من اعتقاد صحيح يتجلى فيه نور الإيمان والمعرفة. وفي هذا التدرج من نفي عبادة الأصنام إلى إثبات من يعبده وهو الذي يتوفاكم ، وفي ذكر هذا الوصف الدال على التوفي دلالة على البدء وهو الخلق وعلى الإعادة (١).
__________________
(١) البحر المحيط : ٥ / ١٩٥