ولا يدري الناس ما ينزل فيهم ، هل يتوب الله عليهم أولا ، وقد نهى الرسول صلىاللهعليهوسلم عن مجالستهم ، وأمرهم باعتزال نسائهم وإرسالهن إلى أهلهن ، إلى أن نزل قوله : (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ ـ إلى قوله ـ وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا ..) [التوبة ٩ / ١١٨].
هؤلاء في هذه الآية أمرهم متردد بين أمرين : التعذيب والتوبة. وقد ترك أمرهم غامضا ، لا للشك ، فالله تعالى منزه عنه ، وإنما ليكون أمرهم على الخوف والرجاء ، وإثارة الغم والحزن في قلوبهم ، ليقدموا على التوبة ، ويصير أمرهم عند الناس على الرجاء ، فجعل أناس يقولون : هلكوا إذا لم ينزل الله تعالى لهم عذرا ، وآخرون يقولون : عسى الله أن يغفر لهم.
ولا شك أن القوم كانوا نادمين على تأخرهم عن الغزو ، فلم يحكم تعالى بكونهم تائبين ؛ لأن الندم وحده لا يكون كافيا في صحة التوبة ، ثم ندموا على المعصية لكونها معصية ، فصحت توبتهم.
والله عليم بمن يستحق العقوبة ممن يستحق العفو ، وبما يصلح عباده ويربّيهم ، حكيم
في أفعاله وأقواله ، وفيما يشرعه لهم من الأحكام المؤدية لهذا الصلاح. ومن حكمته : إرجاء النص على توبتهم.
فقه الحياة أو الأحكام :
إن الحكمة الإلهية قد تقتضي البت في شأن بعض العباد ، وقد ترجئ ذلك ، ليظل الناس في أمل ورجاء ورهبة وخوف ، وقد أثمرت هذه الحكمة في دفع هؤلاء المخلفين عن التوبة إلى مزيد من الشعور بالقلق والاضطراب والخوف والهلع ، وكادوا يحسون باليأس من قبول عذرهم ، حتى أنزل الله في شأنهم ما يدل على قبول توبتهم في قوله : (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا ...).
وقوله : (إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ) دليل على أنه لا حكم إلا أحد