فلما تبين لإبراهيم أن أباه عدو لله ، بأن مات على الكفر ، أو أوحي إليه فيه بأنه لن يؤمن ، تبرأ منه ، وقطع استغفاره له ، إن إبراهيم لأوّاه أي لكثير التأوه والتحسر ، أو لكثير التضرع والدعاء ، كما قال صلىاللهعليهوسلم : «الأواه : الخاشع المتضرع» وهو كناية عن فرط رحمته ، ورقة قلبه ، حليم : صبور على الأذى. والجملة لبيان ما حمله على الاستغفار له ، مع معاداته له وسوء خلقه معه ، بدليل أنه أي آزر قال لإبراهيم : (أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ ، لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ ، وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) [مريم ١٩ / ٤٦].
ثم رفع الله تعالى المؤاخذة عن الذين استغفروا للمشركين قبل نزول آية المنع هذه ، وبيّن أنه تعالى لا يؤاخذهم بعمل إلا بعد أن يبين لهم أنه يجب عليهم أن يتقوه ويحترزوا عنه ، فقال : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ ...) أي وما كان من سنة الله في خلقه ولا في رحمته وحكمته أن يصف قوما بالضلال أو يؤاخذهم مؤاخذة الضالين ، بعد إذ هداهم للإسلام حتى يبين لهم ما يجب عليهم اتقاؤه من الأقوال والأفعال. وهذا يدل على أنه تعالى لا يعاقب إلا بعد التبيين ، وإزالة العذر.
إن الله تعالى عليم بكل شيء ، وبأحوال الناس وحاجتهم إلى البيان ، وكأن هذا بيان عذر للرسول في قوله لعمه أو لمن استغفر له قبل المنع. وفي هذا دلالة على أن الغافل الذي لم تبلغه رسالة نبي غير مكلف. وبناء عليه ، يستبعد أن يكون سبب نزول الآية الاستغفار لأم الرسول صلىاللهعليهوسلم ؛ لأنها ماتت قبل البعثة في عهد الفترة الجاهلية ، التي انقطعت فيها النبوة بعد عيسى عليهالسلام ، ولم يعد هناك مجال للتعرف على الدين الحق ، لاختلاط الأمور.
وبعد أن أمر الله تعالى بالبراءة من الكفار ، بين أن النصر لا يكون إلا من عنده ؛ لأن له ملك السموات والأرض ، فإذا كان هو الناصر لكم ، فهم لا يقدرون على إضراركم ، فقال : (إِنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ ...) أي إنه تعالى مالك كل موجود