كثير القبول لتوبة التائبين ، واسع الرحمة للمحسنين. وقصة قبول توبتهم تظهر فيما يأتي :
قال أكثر المفسرين : إنهم ما ذهبوا خلف الرسول عليه الصلاة والسلام ، قال كعب : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يحب حديثي ، فلما أبطأت عنه في الخروج ، قال عليه الصلاة والسلام: «ما الذي حبس كعبا؟» فلما قدم المدينة ، اعتذر المنافقون ، فعذرهم ، وأتيته وقلت : إن كراعي (خيلى) وزادي كان حاضرا ، واحتبست بذنبي ، فاستغفر لي ، فأبى الرسول صلىاللهعليهوسلم ذلك.
ثم إنه عليه الصلاة والسلام نهى عن مجالسة هؤلاء الثلاثة ، وأمر بمباينتهم حتى أمر بذلك نساءهم ، فضاقت عليهم الأرض بما رحبت ، وجاءت امرأة هلال بن أمية ، وقالت : يا رسول الله ، لقد بكى هلال ، حتى خفت على بصره ، حتى إذا مضى خمسون يومأ أنزل الله تعالى : (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ) وأنزل قوله : (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا) فعند ذلك خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى حجرته ، وهو عند أم سلمة فقال : «الله أكبر ، قد أنزل الله عذر أصحابنا» فلما صلى الفجر ذكر ذلك لأصحابه ، وبشرهم بأن الله تاب عليهم ، فانطلقوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وتلا عليهم ما نزل فيهم.
فقال كعب : توبتي إلى الله أن أخرج مالي صدقة ، فقال : لا ، قلت : فنصفه قال : لا ، قلت : فثلاثة؟ قال : نعم (١).
وبعد أن نزل قوله تعالى بقبول توبة هؤلاء الثلاثة ، زجر عن فعل ما مضى ، وهو التخلف عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الجهاد ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ).
__________________
(١) تفسير الرازي : ١٦ / ٢١٨