أما التوبة فكانت شاملة عامة لكل من شارك في غزوة العسرة أو غزوة تبوك. وذلك تفضل من الله ورحمة ، بعد ما تعرضوا للشدائد في جميع أوقات تلك الغزوة ، قال جابر : اجتمع عليهم عسرة الظّهر ، وعسرة الزاد ، وعسرة الماء.
قال الزمخشري في قوله تعالى : (تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِ) هو كقوله : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) [الفتح ٤٨ / ٢] وقوله : (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) [غافر ٤٠ / ٥٥] وهو بعث للمؤمنين على التوبة ، وأنه ما من مؤمن إلا وهو محتاج إلى التوبة والاستغفار حتى النبي والمهاجرين والأنصار ، وإبانة لفضل التوبة ومقدارها عند الله ، وأن صفة التوابين الأولين صفة الأنبياء (١).
وشملت هذه التوبة أيضا الثلاثة الذين خلّفوا عن هذه الغزوة ، أي أرجئوا وأخّروا عن المنافقين ، فلم يقض فيهم بشيء ، وذلك أن المنافقين لم تقبل توبتهم ، واعتذر أقوام فقبل عذرهم ، وأخّر النبي صلىاللهعليهوسلم هؤلاء الثلاثة حتى نزل فيهم القرآن. وهذا هو الصحيح لما رواه مسلم والبخاري وغيرهما. قال كعب فيما رواه مسلم : كنا خلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين حلفوا له ، فبايعهم واستغفر لهم ، وأرجأ رسول اللهصلىاللهعليهوسلم أمرنا حتى قضى الله فيه ؛ فبذلك قال الله عزوجل : (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا) وليس الذي ذكر الله مما خلّفنا تخلفنا عن الغزو ، وإنما هو تخليفه إيانا ، وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له ، واعتذر إليه ، فقبل منه.
والأوصاف الثلاثة التي وصفهم بها القرآن دليل على صدقهم في التوبة. لذا
__________________
(١) الكشاف : ٢ / ٦١