المتبعون أوامر الله ، المجتنبون نواهيه. فهذه المعية ملازمة للتقوى ، فالله معكم إذا التزمتم أحكام شرعه ومن أهمها إقامة الفرائض والسنن ، والثبات والصبر والطاعة والنظام ، وابتعدتم عن اختراق حدوده والتقصير في إعداد العدة المناسبة لكل عصر وزمان ومكان ، كما قال تعالى : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ) [الأنفال ٨ / ٦٠].
وإذا أريد بالمتقين المخاطبون ، ففيه إظهار بدل الإضمار للدلالة على أن الإيمان والقتال من باب التقوى ، والشهادة بكونهم من زمرة المتقين. وإذا أريد بالمتقين الجنس دخل المخاطبون دخولا أولياء ، والكلام تعليل وتوكيد لما قبله ، أي قاتلوهم واغلظوا عليهم ولا تخافوهم ؛ لأن الله معكم أو لأنكم متقون.
فقه الحياة أو الأحكام :
أرشدت الآية إلى ما يلي :
١ ـ التعريف بكيفية الجهاد ، وكون الابتداء به بالأقرب فالأقرب من العدو ، ولهذا بدأ رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالعرب ، ثم قصد الروم بالشام. وروي عن الحسن البصري أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [التوبة ٩ / ٥]. والأصح أنها غير منسوخة ؛ لأنها للإرشاد ورسم خطة الحرب في قتال الكفار. قال قتادة : الآية على العموم في قتال الأقرب فالأقرب ، والأدنى فالأدنى (١).
٢ ـ أمر المؤمنين بالاتصاف بالغلظة على الكفار ، حتى يجدهم الكفار متصفين بذلك. وهذا لا شك في أثناء القتال ، أما قبل بدء المعركة فشأن المسلمين هو الرفق واللين والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، فإن وجدوا تنمرا وتجهما
__________________
(١) تفسير القرطبي : ٨ / ٢٩٧ ، تفسير الرازي : ١٦ / ٢٨٨