صفتكم من التصميم والعناد في الكفر ، فلا سبيل إلى اهتدائكم ، وإن أنزلت كل آية ، فإن الضلال والهداية بيد الله ، والله يضل من يشاء ، أي كما أضلكم بعد ما أنزل من الآيات ، وحرمكم الاستدلال بها ، يضلكم عند نزول غيرها ، ويهدي إليه من أناب ، أي رجع عن العناد وأقبل على الحق أو الإسلام أو الله عزوجل ، فهاء (إِلَيْهِ) عائد إلى واحد من المذكورات ؛ على تقدير : ويهدي إلى دينه وطاعته من رجع إليه بقلبه.
وللآية نظائر كثيرة منها : (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ ، وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى ، وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ، ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ ، وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ) [الأنعام ٦ / ١١١] (وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) [يونس ١٠ / ١٠١] (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ ، وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ ، حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) [يونس ١٠ / ٩٦ ـ ٩٧].
ثم ذكر الله تعالى من يستحقون الهداية : (الَّذِينَ آمَنُوا ..) أي يهدي الله الذين صدقوا بالله ورسله ، وسكنت قلوبهم إلى توحيد الله ووعده ، أنسا به ، واعتمادا عليه ، ورجاء منه ، ألا بتذكر الله ، وتأمل آياته ، ومعرفة كمال قدرته عن بصيرة ، تطمئن قلوب المؤمنين ، ويذهب القلق والاضطراب عنهم ، بما وقر في تلك القلوب من نور الإيمان ، كما قال تعالى : (ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ) [الزمر ٣٩ / ٢٣] والمؤمن إذا تذكر عقاب الله ، خاف ، كما قال : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) [الأنفال ٨ / ٢] وإذا تذكر المؤمن وعده تعالى بالثواب والرحمة ، اطمأن قلبه وهدأت نفسه : (وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ ، زادَتْهُمْ إِيماناً ، وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [الأنفال ٨ / ٢].
ثم أبان الله تعالى جزاء المؤمنين فقال : (الَّذِينَ آمَنُوا ..) أي للذين آمنوا وعملوا الصالحات العيش الطيب والنعمة والخير وحسن الثواب ، وحسن المرجع.