(رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ..) أي أنت تعلم قصدي في دعائي ، وهو التوصل إلى رضاك والإخلاص لك ، وأنت أعلم بأحوالنا ومصالحنا ، وتعلم الأشياء كلها ظاهرها وباطنها ، لا يخفى عليك منها شيء في الأرض ولا في السماء ، فلا حاجة لنا إلى الطلب ، وإنما ندعوك إظهارا لعبوديتك ، وافتقارا إلى رحمتك ، واستعجالا لنيل ما عندك.
(وَما يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْ شَيْءٍ ..) أي ولا يغيب عن الله شيء في الأرض أو في السماء ، فكله مخلوق له ، وهو عالم به. وهذا من كلام الله عزوجل ، تصديقا لإبراهيم عليهالسلام ، كقوله: (وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ) [النمل ٢٧ / ٣٤] أو من كلام إبراهيم ، يعني وما يخفى على الله الذي هو عالم الغيب والشهادة من شيء في كل مكان. و (مِنْ) للاستغراق ، كأنه قيل : وما يخفى عليه شيء ما.
ثم حمد إبراهيم عليهالسلام ربه عزوجل على ما رزقه من الولد بعد الكبر ، فقال : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي ..) أي الحمد والشكر كله لله الذي أعطاني ومنحني الولد بعد الكبر والإياس من الولد ، أعطاني ولدين هما إسماعيل وأمه هاجر وإسحاق وأمه سارّة. وقدم إسماعيل ؛ لأنه كان أكبر من إسحاق بثلاث عشرة سنة. وقيل : لما ولد إسماعيل كان سن إبراهيم تسعا وتسعين سنة ، ولما ولد إسحاق كان سنه مائة واثنتي عشرة سنة.
وقوله : (عَلَى الْكِبَرِ) لأن المنة بهبة الولد في هذه السن أعظم ؛ إذ الظفر بالحاجة وقت اليأس من أعظم النعم ، ولان الولادة في تلك السن المتقدمة كانت آية لإبراهيم.
(إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ) أي إن الله ربي سامع دعائي وقولي ، ومجيب من دعاه ، وعالم بالمقصود ، سواء صرحت به أو لم أصرح. وقال هذا لما ذكر الدعاء على سبيل الرمز والتعريض ، لا على وجه الإيضاح والتصريح.