فقال : فيم أنتم؟ فقالوا : نتذاكر المروءة ، فقال : أو ما كفاكم الله عزوجل ذاك في كتابه إذ يقول : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) فالعدل : الإنصاف ، والإحسان : التّفضل ، فما بقي بعد هذا؟
وقال سفيان بن عيينة : العدل في هذا الموضع : هو استواء السريرة والعلانية من كل عامل لله عملا ، والإحسان : أن تكون سريرته أحسن من علانيته ، والفحشاء والمنكر : أن تكون علانيته أحسن من سريرته.
ويأمر الله في هذه الآية بإيتاء ذي القربى أي بصلة الأرحام والأقارب ، بالزيارة والمودة والعطاء والتّصدق عليهم ، كما قال تعالى : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ) [الإسراء ١٧ / ٢٦] ، وقد خصّه بالذّكر مع أنه داخل في الإحسان للاهتمام به والعناية بشأنه.
وبعد أن أمر تعالى بثلاثة نهى عن ثلاثة فقال : (وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ) ، والفحشاء : الشيء المحرم كالزّنى والسّرقة وشرب المسكر وأخذ أموال النّاس بالباطل.
والمنكر : ما قبّحه الشّرع والعقل ، وظهر من الفواحش من فاعلها ، كالقتل والضرب بغير حق ، وازدراء الناس وغمطهم حقوقهم ، قال تعالى : (قُلْ : إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) [الأعراف ٧ / ٣٣].
والبغي : ظلم النّاس والاعتداء عليهم ؛ جاء في الحديث الذي أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم عن أبي بكرة : «ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدّنيا ، مع ما يدّخر لصاحبه في الآخرة ، من البغي ، وقطيعة الرّحم».
والخلاصة : العدل : أداء الواجب ، والإحسان : الزيادة فيه ، والفحشاء والمنكر والبغي : تجاوز حدود الشّرع والعقل.