قريش ذلك الحلف حلف الفضول ، أي حلف الفضائل. (وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً) أي شهيدا.
ثمّ جعل الله تعالى نفسه رقيبا على العهود لتأكيد احترامها : (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) أي إنه مطّلع ومراقب كلّ ما تفعلونه في العهود ، من البرّ بها أو النّقض لها ، ومحص ذلك عليكم ، ومجازيكم على أفعالكم ، ثوابا ورضا في حال البرّ والوفاء ، وعقابا وسخطا في حال النّقض والعبث والإخلال بأحكام المعاهدة. وهذا وعد للطائع ، ووعيد وتهديد للمخالف الذي ينقض عهده بعد توكيده.
ثم أكّد الله تعالى حرمة العهد مرّة ثالثة فقال : (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ ...) أي ولا تكونوا في نقض العهود والمواثيق كالتي نقضت غزلها بعد إبرامه. قال عبد الله بن كثير والسّدّي : هذه امرأة خرقاء كانت بمكّة ، كلما غزلت شيئا نقضته بعد إبرامه. واسمها : ريطة بنت عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرّة.
أو هو مثل لمن نقض عهده بعد توكيده كما قال مجاهد وغيره ، فمن نقض العهد كان كمن نقض الغزل بعد فتله وإبرامه ، فهو ليس من فعل العقلاء ، وإنما في زمرة الحمقى. والأنكاث : الأنقاض.
(تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ ..) أي تجعلون أيمانكم على الوفاء بالعهد خديعة ومكرا وتغريرا بالطرف الآخر ، من أجل أن تكون جماعة أقوى وأكثر عددا وعدّة من جماعة أخرى ، بل عليكم الوفاء بالعهود والحفاظ عليها.
فقوله تعالى : (أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ) معناه أنكم تحلفون للناس إذا كانوا أكثر منكم ، ليطمئنوا إليكم ، فإذا أمكنكم الغدر بهم ، غدرتم ، فنهى الله عن ذلك ، لينبّه بالأدنى على الأعلى ، أي إذا نهاكم عن الغدر في هذه الحالة ، فلأن ينهى عنه مع التّمكن والقدرة بطريق الأولى. وأربى : أكثر.