وأما النّواهي الثلاثة : فهي عن الفحشاء والمنكر والبغي. والفحشاء : الفحش ، وهو كلّ قبيح من قول أو فعل كالزّنى والغيبة. والمنكر : ما أنكره الشّرع بالنّهي عنه ، وهو يعمّ جميع المعاصي والرّذائل والدّناءات على اختلاف أنواعها ، وأخطرها الشّرك. والبغي : هو تجاوز الحدّ ، كالكبر والظّلم والحقد والتّعدّي. وخصّ بالذّكر ، بالرّغم من دخوله تحت المنكر ، اهتماما به ؛ لشدّة ضرره. ومن معاني الحديث : «لا ذنب أسرع عقوبة من بغي» «الباغي مصروع» ، وقد وعد الله من بغي عليه بالنّصر ، وفي بعض الكتب المنزلة : لو بغى جبل على جبل لجعل الباغي منهما دكّا.
وتضمّنت هذه الآية الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر.
والآية الثانية خصصت بالذّكر الأمر بالوفاء بالعهد ، لخطورة العهود والمواثيق. وعهد الله : لفظ عام يشمل جميع ما يعقد باللسان ويلتزمه الإنسان من بيع أو صلة أو مواثقة في أمر موافق للديانة.
وأكّدت الآية حرمة العهود والمواثيق بعدّة مؤكّدات : أولها النّهي عن نقضها حتى تنتهي مدّتها ، بعد تشديدها وتغليظها ، وإشهاد الله عليها. وإنما قال تعالى : (بَعْدَ تَوْكِيدِها) للتّفرقة بين اليمين المؤكّدة بالعزم وبين لغو اليمين.
ثمّ مثّل لنقضها بصورة المرأة الحمقاء التي تنقض غزلها إنقاضا بعد إبرامه وفتله ، ثمّ شنّع على النّاقضين باتّخاذ الأيمان خديعة ومكرا وغشّا وتغريرا ، ثمّ قبّح البواعث والأهداف من الغدر ونقض العهد تأييدا لقوّة قبيلة كثيرة قوية ، وتحلّلا من عهد القبيلة الضّعيفة القليلة العدد ، والعدد ، فقال تعالى : لا تنقضوا العهود من أجل أن طائفة أكثر من طائفة أخرى ، أو أكثر أموالا ، فتنقضون أيمانكم ، إذا رأيتم الكثرة والسّعة في الدّنيا لأعدائكم المشركين.