يكون الاستثناء منقطعا ، بمعنى : ولكن رحمة من ربك تركته ولم أذهب به ، قال الرازي : وهذا امتنان من الله تعالى على جميع العلماء ببقاء القرآن بنوعين من المنة : أحدهما ـ تسهيل ذلك العلم عليهم. والثاني ـ إبقاء حفظه لهم (١).
(إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً) أي إن فضل الله عليك أيها الرسول عظيم وكبير بإرسالك للناس بشيرا ونذيرا ، وبإنزال القرآن عليك وبحفظه في صدرك وفي المصاحف ، وبحفظ أتباعك ، وبسبب جعلك سيد ولد آدم ، وختم النبيين بك ، وإعطائك المقام المحمود.
والخلاصة : إن الله تعالى يذكر في هذه الآية نعمته وفضله على عبده ورسوله الكريم فيما أوحاه إليه من القرآن المجيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد ، وأما بقية النعم والأفضال فهي تبع لذلك ، فالقرآن الكريم مصدر العلوم والمعارف ، ومنبع الحضارات والثقافات التي ظهرت في ربوع المسلمين.
ثم نبه الله تعالى على شرف هذا القرآن العظيم وأهميته وخطورته ، فقال : (قُلْ : لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ ..) قل يا محمد متحديا : والله لئن اجتمعت الإنس والجن كلهم ، واتفقوا وتعاونوا وتظاهروا على أن يأتوا بمثل هذا القرآن المنزل ، في بلاغته ، وحسن نظمه وبيانه ، ومعانيه وأحكامه ، وفيهم العرب العاربة أرباب البيان والفصاحة ، لعجزوا عن الإتيان بمثله ، حتى ولو كان الجميع متعاونين متآزرين فيما بينهم لتلك الغاية ، فإن هذا أمر غير مستطاع ، وكيف يشبه كلام المخلوقين كلام الخالق الذي لا نظير له ولا مثيل؟!
ثم أبان تعالى مضمون القرآن ، فقال :
__________________
(١) تفسير الرازي : ٢١ / ٥٣ ـ ٥٤ ، وقال في الكشاف (٢ / ٢٤٥) : وهذا امتنان من الله تعالى ببقاء القرآن محفوظا ، بعد المنة العظيمة في تنزيله وتحفيظه.