التفسير والبيان :
(وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا ...) أي وما منع أكثر الناس ومنهم مشركو مكة أن يؤمنوا بالله ، ويتبعوا الرسل ، حين مجيء الوحي المعجز الذي يستهدف الهداية والإسعاد والنجاة إلا استغرابهم وتعجبهم من بعثة البشر رسلا ، غير متصورين كون الرسول من جنس البشر المرسل إليهم ، وأنه كان لا بد من أن يكون من الملائكة ، وهذا تحكم فاسد وتعنت باطل. والآية مثل قوله تعالى : (أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ) [يونس ١٠ / ٢] وقوله سبحانه : (ذلِكَ بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ ، فَقالُوا : أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا)؟ [التغابن ٦٤ / ٦]. والآيات في هذا كثيرة.
ثم أجابهم الله تعالى منبها على لطفه ورحمته بعباده ، وعلى منطق الأمور ، فقال : (قُلْ : لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ ..) أي قل لهم يا محمد : إن مقتضى الحكمة ومنطق الأشياء والرحمة بالناس أن يبعث إليهم الرسول من جنسهم ، ليناقشهم ويخاطبهم ، ويفقهوا عنه ويفهموا منه ، فليس إرسال الرسول لمجرد إلقاء الموحى به إليه ، ولو كان الرسول ملكا لما استطاعوا مواجهته ، ولا الأخذ عنه ، فإن الشيء يألف لجنسه ، ويأنس به ، فطبيعة الملك لا تصلح للاجتماع بالبشر ، وعقد حوار معه حول أحكام التشريع وتبيان أصول العقيدة ، وأداء الرسالة ، كما قال تعالى : (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً ، وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ) [الأنعام ٦ / ٩].
بل إن إرسال الرسول من البشر نعمة وحكمة ومنّة عظمي ، لذا قال تعالى : (كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ ، يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا ، وَيُزَكِّيكُمْ ، وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ ، وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) [البقرة ٢ / ١٥١] وقال سبحانه : (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ) [آل عمران ٣ / ١٦٤] وقال عزوجل : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) [التوبة ٩ / ١٢٨].