٣ ـ لو شاء الله أن يهدي الكفار لاهتدوا ، فإن لم يهتدوا ، فإن لم يهتدوا بهدي الله تعالى ، لا يهديهم أحد.
٤ ـ يحشر الكفار يوم القيامة على وجوههم ، وفيه وجهان :
أحدهما ـ أن ذلك عبارة عن الإسراع بهم إلى جهنم ، كما يقول العرب : قدم القوم على وجوههم : إذا أسرعوا.
والثاني ـ أنهم يسحبون يوم القيامة على وجوههم إلى جهنم ، كما يفعل في الدنيا بمن يبالغ في هوانه وتعذيبه ، قال القرطبي : وهذا هو الصحيح ؛ لحديث أنس المتقدم. فإنهم يحشرون عميا عما يسرّهم ، بكما عن التكلم بحجة مقبولة ، صما عما ينفعهم ، وهذا يدل على أن حواسهم باقية على ما كانت عليه. وقيل : إنهم يحشرون على الصفة التي وصفهم الله بها ، ليكون ذلك زيادة في عذابهم ، ثم يخلق ذلك لهم في النار ، فأبصروا ؛ لقوله تعالى : (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها) [الكهف ١٨ / ٥٣] ، وتكلموا ؛ لقوله تعالى : (دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً) [الفرقان ٢٥ / ١٣] ، وسمعوا ؛ لقوله تعالى : (سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً) [الفرقان ٢٥ / ١٢].
٥ ـ مأوى الكفار ومستقرهم ومقامهم جهنم ، كلما سكنت نارها ، زادها الله نارا تلتهب ، وسكون التهابها من غير نقصان في آلامهم ولا تخفيف عنهم.
٦ ـ ذلك العذاب جزاء كفرهم بآيات الله تعالى وحججه الدالة على وجوده وتوحيده ، وجزاء جحودهم وإنكارهم البعث إنكار تعجب من إعادة ما بلي من العظام ، وتفتت من الجسد ، وزالت معالمه ، وغفلوا عن أن الله هو الذي خلقهم أول مرة ، والإعادة أهون عليه من الابتداء ، كما قال الله تعالى : (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) [الأنبياء ٢١ / ١٠٤] ، (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ، ثُمَّ يُعِيدُهُ ، وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) [الروم ٣٠ / ٢٧].