وتحدثت السورة عن ثلاث قصص من روائع قصص القرآن وهي قصة أصحاب الكهف ، وقصة موسى مع الخضر ، وقصة ذي القرنين. أما قصة أصحاب الكهف [٩ ـ ٢٦] فهي مثل عال ، ورمز سام للتضحية بالوطن والأهل والأقارب والأصدقاء والأموال في سبيل العقيدة ، فقد فرّ هؤلاء الشباب الفتية المؤمنون بدينهم من بطش الملك الوثني ، واحتموا في غار في الجبل ، فأنامهم الله ثلاث مائة وتسع سنين قمرية ، ثم بعثهم ليقيم دليلا حسيا للناس على قدرته على البعث.
واتبع الله تعالى تلك القصة بأمر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بالتواضع ومجالسة الفقراء المؤمنين وعدم الفرار منهم إلى مجالسة الأغنياء لدعوتهم إلى الدين : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ ..) [٢٨].
ثم هدد الله تعالى الكفار بعد إظهار الحق ، وذكر ما أعده لهم من العذاب الشديد في الآخرة : (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ ..) [٢٩] وقارن ذلك بما أعده سبحانه من جنات عدن للمؤمنين الصالحين [٣٠ ـ ٣١].
وأما قصة موسى مع الخضر في الآيات [٦٠ ـ ٧٨] فكانت مثلا للعلماء في التواضع أثناء طلب العلم ، وأنه قد يكون عند العبد الصالح من العلوم في غير أصول الدين وفروعه ما ليس عند الأنبياء ، بدليل قصة خرق السفينة ، وحادثة قتل الغلام ، وبناء الجدار.
وأما قصة ذي القرنين في الآيات [٨٣ ـ ٩٩] فهي عبرة للحكام والسلاطين ، إذ أن هذا الملك تمكن من السيطرة على العالم ، ومشرق الأرض ومغربها ، وبنائه السد العظيم بسبب ما اتصف به من التقوى والعدل والصلاح.
وتخللت هذه القصص أمثلة ثلاثة بارزة رائعة مستمدة من الواقع ، لإظهار أن الحق لا يقترن بالسلطة والغنى ، وإنما يرتبط بالإيمان ، وأول هذه الأمثلة : قصة أصحاب الجنتين [٣٢ ـ ٤٤] للمقارنة بين الغني المغتر بماله ، والفقير المعتز