وكفى بالشريعة التي جعلت عقوق الوالدين من الكبائر ، أخرج الترمذي عن عبد الله بن عمر حديثا : «رضا الرب في رضا الوالد ، وسخط الرب في سخط الوالد».
ثم حذر الله تعالى من التهاون في بر الوالدين فقال : (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ ...) أي أن العبرة بما في القلب وما تضمرونه في أنفسكم من الإخلاص في الطاعة وعدم الإخلاص فيها ، فإن الله تعالى مطلع على ما في نفوسكم ، بل هو أعلم بتلك الأحوال منكم بها ؛ لاختلاطها بالسهو والنسيان وعدم الإحاطة بالكل ، فمن بدرت منه بادرة غير مقصودة ، فلا يعاقبه الله عليها ما دامت نيته حسنة وهو من الصالحين ، فإنه سبحانه غفور للتائبين الراجعين إلى الخير ، النادمين على ما فرط منهم من غير قصد. والتائب من الذنب : هو الرجّاع من المعصية إلى الطاعة ، مما يكره الله ، إلى ما يحبه ويرضاه. والمقصود من الآية : التحذير من ترك الإخلاص.
ثالثا ـ الإحسان إلى ذوي القربى والمساكين وابن السبيل : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ) لما ذكر تعالى بر الوالدين ، عطف بذكر الإحسان إلى القرابة وصلة الأرحام ، والمعنى : وأعط أيها الإنسان المكلف القريب والمسكين والمسافر المنقطع في الطريق إلى بلده حقه ، من صلة الرحم والود ، والزيارة وحسن المعاشرة ، والنفقة إن كان محتاجا إليها ، وإعانة المسكين ذي الحاجة ، ومساعدة ابن السبيل بالمال الذي يكفيه زاده وراحلته إلى أن يبلغ مقصده. والخطاب للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم والمراد به أمته من بعده. جاء في الحديث الذي أخرجه أبو داود عن بكر بن الحارث الأنماري : «أمك وأباك ، ثم أدناك أدناك» أو «ثم الأقرب فالأقرب» وأخرج الشيخان عن أنس عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «من أحبّ أن يبسط له في رزقه ، وينسأ له في أثره ، فليصل رحمه».