من الحكمة ، لذا قال : (إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) أي أنه تعالى عالم بأن مصلحة كل إنسان في أن لا يعطيه إلا ذلك القدر ، فهو خبير بصير بمن يستحق الغنى ويستحق الفقر ، فالتفاوت في أرزاق العباد ليس لأجل البخل ، بل لأجل رعاية المصالح ، جاء في الحديث الذي ذكره السيوطي في المسانيد (الجامع الكبير): «إن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا الفقر ، ولو أغنيته لأفسدت عليه دينه ، وإن من عبادي لمن لا يصلحه إلا الغنى ، ولو أفقرته لأفسدت عليه دينه». وقد يكون الغنى في حق بعض الناس استدراجا ، والفقر عقوبة.
والمقصود بالآية أنه تعالى عرف رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم كونه ربا ، والرب : هو الذي يربي المربوب ويقوم بإصلاح مهماته ودفع حاجاته على مقدار الصلاح والصواب ، فيوسع الرزق على البعض ، ويضيقه على البعض.
فقه الحياة أو الأحكام :
يفهم مما ذكر أن الآيات ترشد إلى الأحكام التالية :
١ ـ التوحيد أساس الإيمان ، والإشراك رأس الكفر والضلال.
٢ ـ الإحسان إلى الوالدين فرض لازم واجب ، وقد أمر الله سبحانه بعبادته وتوحيده ، وجعل بر الوالدين مقرونا بذلك ، كما قرن شكرهما بشكره ، فقال : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ، وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) وقال : (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ ، إِلَيَّ الْمَصِيرُ).
٣ ـ من البرّ بالأبوين والإحسان إليهما ألا يتعرض لسبّهما ولا لعقوقهما ؛ فإن ذلك من الكبائر بلا خلاف.
٤ ـ عقوق الوالدين : مخالفتهما في أغراضهما الجائزة لهما ، كما أن برّهما موافقتهما على أغراضهما ، فتجب طاعتهما في المباح المعروف غير المعصية ، ولا تجب طاعتهما في المعصية.