المفردات اللغوية :
(فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ) أي وصل إلى السن التي تمكنه من أن يسعى معه في أعماله ويعينه ، قيل : بلغ سبع سنين ، وقيل : ثلاث عشرة سنة (إِنِّي أَرى) أي رأيت ، ورؤيا الأنبياء حق ، وأفعالهم بأمر الله تعالى. قيل : إنه رأى ليلة التروية أن قائلا يقول له : إن الله يأمرك بذبح ابنك ، فلما أصبح روّى أنه من الله أو من الشيطان ، فلما أمسى رأى مثل ذلك ، فعرف أنه من الله ، ثم رأى مثله في الليلة الثالثة ، فهمّ بنحره ، ولهذا سميت الأيام الثلاثة بالتروية وعرفة والنحر.
من الذبيح؟
قال البيضاوي : والأظهر أن المخاطب به إسماعيل ، لأنه الذي وهب له إثر الهجرة ، ولأن البشارة بإسحاق معطوفة على البشارة بهذا الغلام ، ولقوله صلي الله عليه وآله وسلم فيما رواه الحاكم في المناقب : «أنا ابن الذبيحين» فأحدهما جدّه إسماعيل ، والآخر أبوه عبد الله ، فإن عبد المطلب نذر أن يذبح ولدا ، إن سهل الله له حفر بئر زمزم ، أو بلغ بنوه عشرة ، فلما سهل الله له ذلك ، أقرع ، فخرج السهم على عبد الله ، ففداه بمئة من الإبل ، ولذلك ثبتت الدية مائة ، ولأن ذلك كان بمكة ، وكان قرنا الكبش معلقين بالكعبة ، حتى احترقا معها في أيام ابن الزبير ، ولم يكن إسحاق ثمة ، ولأن البشارة بإسحاق كانت مقرونة بولادة يعقوب منه ، فلا يناسبها الأمر بذبحه مراهقا.
وما روي أنه صلي الله عليه وآله وسلم سئل : أي النسب أشرف؟ فقال : «يوسف صدّيق الله ، ابن يعقوب إسرائيل الله ، ابن إسحاق ذبيح الله ، ابن إبراهيم خليل الله» فالصحيح أنه قال : «يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم» والزوائد من الراوي. وما روي أن يعقوب كتب إلى يوسف مثل ذلك ، لم يثبت (١).
وقال ابن كثير : وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الذبيح هو إسحاق ، وحكي ذلك عن طائف من السلف ، حتى نقل عن بعض الصحابة رضياللهعنهم أيضا ، وليس ذلك في كتاب ولا سنة ، وما أظن ذلك تلقي إلا عن أحبار أهل الكتاب ، وأخذ ذلك مسلّما من غير حجة ، وهذا كتاب الله شاهد ومرشد إلى أنه ـ الذبيح ـ إسماعيل ، فإنه ذكر البشارة بغلام حليم ، وذكر أنه الذبيح ، ثم قال بعد ذلك : (وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ)(٢).
(فَانْظُرْ ما ذا تَرى) من الرأي ، شاوره ليتهيأ للذبح ، وينقاد للأمر به ، وليعلم ما عنده فيما نزل من بلاء الله ، فيثبت ، ويسلّم الأمر لله (يا أَبَتِ) التاء عوض عن ياء الإضافة (افْعَلْ
__________________
(١) تفسير البيضاوي : ٥٩٥
(٢) تفسير ابن كثير : ٤ / ١٤