المناسبة :
هذه هي القصة الثالثة من القصص المذكورة في هذه السورة ، فبعد أن ذكر الله تعالى إنجاء إسماعيل من الذبح ، ونجاة إبراهيم من النار ، ذكر هنا ما منّ به على موسى وهارون من وجوه الإنعام المحصورة في نوعين : إيصال المنافع إليهما في قوله تعالى : (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ) ودفع المضار عنهما في قوله تعالى : (وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ).
التفسير والبيان :
(وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ) أي تالله لقد أنعمنا عليهما بالنبوة وغيرها من المنافع الدينية والدنيوية. أما منافع الدنيا كما ذكر الرازي : فالوجود والحياة والعقل والتربية والصحة وتحصيل صفات الكمال في ذات كل واحد منهما. وأما منافع الدنيا : فالعلم والطاعة ، وأعلى هذه الدرجات : النبوة الرفيعة ، المقرونة بالمعجزات الباهرة القاهرة. وتفصيل هذه النعم في قوله تعالى :
١ ـ (وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) أي ونجيناهما وقومهما بني إسرائيل من استعباد فرعون إياهم ، بقتل الآباء واستحياء النساء وتشغيلهم في أخسّ الأشياء والصناعات والمهن ، كما نجيناهما مع القوم من الغرق الذي أهلك فرعون وقومه قبط مصر.
٢ ـ (وَنَصَرْناهُمْ ، فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ) أي نصرناهم على أعدائهم ، فغلبوهم ، وأخذوا أرضهم وأموالهم التي جمعوها طوال حياتهم ، فكانوا أصحاب الدولة بعد أن كانوا رعية أذلاء.
٣ ـ (وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ) أي وأنزلنا عليهما الكتاب العظيم الواضح الجلي الشامل لأمور الدنيا والآخرة ، وهو التوراة ، كما قال تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ ..) [المائدة ٥ / ٤٤] وقال