ويلاحظ من تتابع هذه الاستفهامات وتكرارها مدى التوبيخ والتبكيت والإنكار الشديد لأقاويلهم ، وتسفيه أحلامهم ، فإن ما يقولونه لا يمكن استناده إلى عقل ، بل لا يجوزه العقل أصلا.
ثم أكد الله تعالى افتراء المشركين على الله بنسبة الملائكة إليه نسبا ، فقال :
(وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً) أي جعل المشركون بين الله وبين الجن وهم هنا الملائكة صلة نسب ، فقالوا : الملائكة بنات الله ، وسموا جنا لاجتنانهم واستتارهم عن الأبصار.
والقائل بهذه المقالة كنانة وخزاعة ، قالوا : إن الله خطب إلى سادات الجن ، فزوجوه من سروات بناتهم ، فالملائكة بنات الله من سروات بنات الجن ، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا. وما هذا إلا وهم واختراع القصاصين منهم ، وقيل : القبائل هم اليهود ، قالوا لعنهم الله : إن الله صاهر الجن ، فكانت الملائكة من بينهم. وكل هذا بسبب تشبيه الخالق عزوجل بالبشر ، ووصفه بالمادية الجسدية ، وهو كفر.
ثم أخبر الله تعالى عن عذابهم قائلا :
(وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) أي وتالله ، لقد علمت الملائكة الذين ادعى المشركون أن بينهم وبينه تعالى نسبا ، إن أولئك المشركين لمحضرون للحساب والعذاب في النار ، لكذبهم وافترائهم بقولهم المتقدم.
ثم نزّه الله تعالى نفسه عن كل ما لا يليق به من نقائص البشر ، قائلا.
(سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) أي تنزه الله تعالى وتقدس عن أن يكون له ولد ، وعما يصفه به الظالمون الملحدون ، وتعالى علوا كبيرا.
(إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) أي لكن عباد الله المخلصين وهم المتّبعون للحق