أحد الزعماء والرؤساء ، ولم يجدوا تهمة أرخص من اتهامه بالسحر والكذب ، وذلك دليل الإفلاس.
ثم أورد الله تعالى لهم شبهات ثلاثا في وصف النبي بالكذب : الأولى تتعلق بالألوهية أو التوحيد ، والثانية بالنبوة ، والثالثة بالمعاد ، وهنا ذكر شبهتين ، والثالثة ستأتي في آية (وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ).
١ ـ توحيد الإله : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً ، إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) أصيّر الآلهة إلها واحدا ، وقصر الألوهية على الله سبحانه ، إن هذا لشيء بالغ النهاية في العجب. وإنما تعجبوا لأنه كان لكل قبيلة إله ، وكانوا يقولون : إنما نعبدهم ليقربونا زلفى إلى الله ، والله يملكهم ، فأي ضير في هذا؟ وادعوا العجب ممن رفض الآلهة المتعددة ، وقالوا : إن آباءهم على كثرتهم ورجاحة عقولهم لا يعقل أن يكونوا جاهلين مبطلين ، ويكون «محمد صلي الله عليه وآله وسلم» وحده محقّا صادقا. وهذا مجرد تقليد أعمى وإرث منقول دون دليل عقلي ولا نقلي.
وسبب نزول هذه الآيات الكريمات كما تقدم : ما رواه الترمذي وغيره بلفظ آخر عن ابن عباس ، قال : «مرض أبو طالب ، فجاءت قريش إليه ، وجاء النبي صلي الله عليه وآله وسلم ، وعند رأس أبي طالب مجلس رجل ، فقام أبو جهل كي يمنعه ، قال : وشكوه إلى أبي طالب ، فقال : يا ابن أخي ، ما تريد من قومك؟ فقال : يا عم ، إنما أريد منهم كلمة تذلّ لهم بها العرب ، وتؤدي إليهم بها الجزية العجم ، فقال : وما هي؟ قال : لا إله إلا الله ، قال : فقالوا : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً)؟ فنزل فيهم القرآن (صلي الله عليه وآله وسلم ، وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ، بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ) حتى بلغ (إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ)(١).
ورواه بلفظ آخر ابن أبي حاتم وابن جرير عن السدّي.
__________________
(١) قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح.