وفي رواية : لما أسلم عمر بن الخطاب رضياللهعنه شقّ على قريش إسلامه ، فاجتمعوا إلى أبي طالب وقالوا : اقض بيننا وبين ابن أخيك. فأرسل أبو طالب إلى النبي صلي الله عليه وآله وسلم فقال : يا ابن أخي ، هؤلاء قومك يسألونك السواء (١) ، فلا تمل كل الميل على قومك. قال : «وماذا يسألونني؟» قالوا : ارفضنا وارفض ذكر آلهتنا وندعك وإلهك ، فقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم : «أتعطونني كلمة واحدة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم» فقال أبو جهل : لله أبوك! لنعطينكها وعشر أمثالها. فقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم : «قولوا : لا إله إلا الله» فنفروا من ذلك وقاموا ، فقالوا : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً)؟ فكيف يسع الخلق كلّهم إله واحد؟ فأنزل الله فيهم هذه الآيات ، إلى قوله : (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ).
(وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ ، إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ) أي وانطلق أشراف قريش من مجلس أبي طالب قائلين : امضوا على ما كنتم فيه ، واثبتوا على عبادة آلهتكم ، واصبروا على ذلك ، إن هذا التحول عن الآلهة لأمر عظيم يريده محمد صلي الله عليه وآله وسلم ، ليعلو علينا ، ونكون له أتباعا ، فيتحكم فينا بما يريد.
٢ ـ عدم وجود التوحيد في النصرانية : (ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ ، إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ) ما سمعنا بهذه الدعوة إلى توحيد الإله في الملة الآخرة وهي النصرانية ، وما هذا إلا افتراء وكذب لا حقيقة له ، وليس له مستند من وحي ودين سماوي ، ولا من عقل صحيح فيما يزعمون ، فوجب أن يكون باطلا.
٣ ـ تخصيص النبوة في محمد : (أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا؟) استفهام إنكار ، أي كيف ينزل القرآن على محمد دوننا ، ونحن الرؤساء والأشراف؟ فهذا أمر مستبعد ، كما حكي عنهم في آية أخرى : (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) [الزخرف ٤٣ / ٣١] فرد الله عليهم قائلا : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ
__________________
(١) أي العدل.