(فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ) جعلناها منقادة لأمره (رُخاءً) لينة مع قوتها وشدتها ، فلا تزعزع ولا تعصف (حَيْثُ أَصابَ) قصد وأراد (وَالشَّياطِينَ) أي وسخرنا له الشياطين (كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ) أي يبنون له ما يشاء من المباني ، ويغوصون في البحر لاستخراج الدر واللؤلؤ منه (وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ) أي وآخرين منهم مشدودين في القيود والسلاسل ، وهم مردة الشياطين.
(هذا عَطاؤُنا) أي هذا ما أعطيناك من الملك العظيم الذي طلبته ، من السيطرة على الريح والشياطين وتسخيرهم (فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ) فأعط من شئت ، وامنع من شئت (بِغَيْرِ حِسابٍ) لا حساب عليك في ذلك الإعطاء أو الإمساك ، فلا يقال لك : كم أعطيت ولم منعت؟ (لَزُلْفى) قربة في الآخرة (وَحُسْنَ مَآبٍ) وحسن مرجع ، وهو الجنة.
المناسبة :
هذه هي القصة الثانية ـ قصة سليمان بن داود عليهماالسلام ، فيها تعداد النعم التي أنعم الله بها على سليمان ، كما أنعم على أبيه داود من قبل ، ليشكر المحسن ، ويتعظ المسيء الذي يرى في قصتي داود وسليمان عظة وعبرة ، فإنهما ملكا ملكا عظيما ، لم يحجبهما عن شكر الله ، وعبادته وطاعته ، وتقدير نعمه الكثيرة ، فأين ملكهما من زعامة قريش وأمثالهم؟!.
التفسير والبيان :
(وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ ، نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) أي وآتينا داود ابنا نبيا ، كما قال عزوجل : (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) [النمل ٢٧ / ١٦] وإلا فقد كان له بنون غيره ، وهذا الابن ما أحقّه بالمدح والثناء ، فهو نعم العبد ، لأنه توّاب رجّاع إلى الله ، كثير الطاعة والعبادة والإنابة إلى الله عزوجل في أكثر الأوقات.
روى ابن أبي حاتم عن مكحول قال : لما وهب الله تعالى لداود سليمان قال له : يا بني ما أحسن؟ قال : سكينة الله والإيمان ، قال : فما أقبح؟ قال : كفر بعد إيمان ، قال : فما أحلى؟ قال : روح الله بين عباده ـ أي رحمته ـ قال : فما