بل لا يقتصر في ذلك على أن يضل نفسه ، بل يضل غيره بفعله أو قوله ، ويدعوه إلى أن يشاركه في ذلك ، فيزداد إثما على إثمه.
لهذا حق أن يوجّه له التهديد الشديد والوعيد الأكيد بأن يتمتع بكفره زمنا قليلا ، فإن مصيره في النهاية إلى النار.
وأما المؤمن : فهو سوي غير متناقض ، مستقيم غير مضطرب ، صلب في دينه غير متزعزع ، يثبت في جميع أحواله على حال واحدة ، من الإيمان الراسخ بالله ، والاستقامة على أمر الله ، فهو إذن ليس كالكافر الذي مضى ذكره.
تراه مصليا خاشعا لربه في جنح الظلام ، والناس نيام ، يناجي ربه ، جامعا بين الخوف والرجاء.
ثم أكد الله تعالى وجه الفرق بين المؤمن والكافر بالمقارنة بين العالم والجاهل ، فكما لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ، كذلك لا يستوي المطيع والعاصي. ثم إن الذين يعلمون هم الذين ينتفعون بعلمهم ويعملون به ، فأما من لم ينتفع بعلمه ولم يعمل به ، فهو بمنزلة من لم يعلم ، وفي هذا إشارة إلى أن الكافر أو المشرك أو العاصي جاهل وإن كان عالما بعلوم الدنيا ، فإنما يتذكر ويعتبر ويتعظ بهذه المقارنات أصحاب العقول من المؤمنين.
ويلاحظ الترتيب في تعداد أوصاف المؤمن ، بدأ فيها بذكر العمل في وصفه بكونه قانتا ساجدا قائما ، ثم ختمها بذكر العلم في قوله : (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) وهذا يدل على أن كمال الإنسان محصور في العمل والعلم ، فالعمل هو البداية ، والعلم هو النهاية.
ثم إنه تعالى نبّه على أن الانتفاع بالعمل إنما يحصل بالمواظبة عليه ، فإن القنوت عبارة عن كون الرجل قائما دائما بما يجب عليه من الطاعات.