وأسكنه في الأرض ، ثم أخرج منها عيونا متدفقة بالماء ، ثم تسقى به الأرض ، فيخرج بذلك الماء من الأرض زرعا مختلفا أنواعه ، كبّر وشعير وخضار وغيرهما ، ومختلفا ألوانه ، من أصفر وأخضر وأبيض وأحمر وغيرها من الألوان البديعة الأخاذة.
ثم ييبس ويجف ، فتراه مصفرا بعد خضرته ونضارته ، ثم يصير متفتتا متكسرا ، وإنّ فيما تقدم ذكره من إنزال المطر وإخراج الزرع به موعظة ينتفع بها أهل العقول الصحيحة ، وتذكرة وتنبيها على حكمة فاعل ذلك وقدرته.
فهؤلاء يعلمون بأن حال الحياة الدنيا كحال هذا الزرع في سرعة الزوال والانقطاع ، وذهاب بهجتها ، وتلاشي رونقها ونضارتها ، ولم يبق لديهم شك في أن الله قادر على البعث والحشر.
ونظير الآية قوله تعالى : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ ، فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ ، فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ ، وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً) [الكهف ١٨ / ٤٥].
فقه الحياة أو الأحكام :
هذه الآية تدل على قدرة الله في إحياء الخلق ، والتمييز بين المؤمن والكافر ، فهو قادر على ذلك ، كما أنه قادر على إنزال الماء من السماء ، أي إنزال المطر من السحاب.
وهي أيضا ترغب في الآخرة لخلودها ، وتنفر من الدنيا لتوقيتها وقصر مدتها وسرعة زوالها وانقضائها.
فهذه الدنيا الفانية متاعها زائل ، وزخرفها باهت ، وهي متحولة متغيرة لا تبقى على حال واحدة ، ونهايتها محتومة ، كما قال تعالى : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها