(اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) ادخلوها وذوقوا حرها اليوم ، بسبب كفركم بالله في الدنيا ، وتكذيبكم بها ، وطاعتكم للشيطان ، وعبادتكم للأوثان.
وفي هذا الكلام إشارة إلى شدة ندامتهم وحسرتهم من وجوه ثلاثة (١) :
١ ـ قوله تعالى : (اصْلَوْهَا) وهو أمر تنكيل وإهانة ، كقوله تعالى لفرعون : (ذُقْ ، إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) [الدخان ٤٤ / ٤٩].
٢ ـ قوله تعالى : (الْيَوْمَ) الذي يدل على أن العذاب حاضر ، وأن لذاتهم قد مضت ، وبقي العذاب اليوم.
٣ ـ قوله تعالى : (بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) الذي ينبئ عن الكفر بنعمة عظيمة ، وحياء الكفور من المنعم من أشد الآلام ، كما قال بعضهم :
أليس بكاف لذي نعمة |
|
حياء المسيء من المحسن |
ثم أبان الله تعالى مدى مواجهتهم بالجرم الذي ارتكبوه دون أن يستطيعوا إنكاره ، فقال:
(الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ ، وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ ، وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) أي في هذا اليوم الرهيب ، يختم الله على أفواه الكافرين والمنافقين ختما لا يقدرون معه على الكلام ، ويستنطق جوارحهم بما عملت ، فتنطق أيديهم وأرجلهم بما اقترفت ، ليعلموا أن أعضاءهم التي كانت أعوانا لهم على المعاصي ، صارت شهودا عليهم.
وجعل الكلام للأيدي والشهادة للأرجل ، لأن أكثر الأفعال تتم بمباشرة الأيدي ، كما قال تعالى : (وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ) [يس ٣٦ / ٣٥] وقال سبحانه : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة ٢ / ١٩٥] أي ولا تلقوا بأنفسكم ،
__________________
(١) تفسير الرازي : ٢٦ / ١٠١