والجن والأوّلين والآخرين في صعيد واحد ، ثم أشرف عنق من النار على الخلائق ، فأحاط بهم ، ثم ينادي مناد : (هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ، اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) فحينئذ تجثو الأمم على ركبها ، (وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها) [الحج ٢٢ / ٢] ، (تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ ، وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى ، وَما هُمْ بِسُكارى ، وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ) [الحج ٢٢ / ٢]».
٥ ـ إن أعضاء الإنسان التي كانت أعوانا في حق نفسه ، صارت عليه شهودا في حق ربّه. والسبب في التعبير بكلام الأيدي وشهادة الأرجل أن اليد مباشرة للعمل ، فتحتاج إلى شهادة غيرها.
ومن وقائع الشهادة يوم القيامة أن المشركين قالوا كما حكى القرآن عنهم : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) [الأنعام ٦ / ٢٣] فيختم الله على أفواههم ، حتى تنطق جوارحهم.
٦ ـ لو شاء الله لأعمى الكفار عن الهدى ، فلا يبصرون طريقا إلى منازلهم ولا غيرها ، ولكنه لم يفعل رحمة بهم ، وليتمكنوا من النظر الصحيح المؤدي إلى الإيمان بالله وحده لا شريك له.
٧ ـ ولو شاء الله لبدل خلقة الكفار إلى ما هو أقبح منها جزاء على كفرهم ، ولجعلهم حجرا أو جمادا أو بهيمة ، كالقردة والخنازير ، وحينئذ لا يستطيعون أن يمضوا أمامهم ، ولا يرجعوا وراءهم ، كما أن الجماد لا يتقدم ولا يتأخر ، ولكنه تعالى أيضا لم يفعل ، لرحمته الواسعة.
٨ ـ لا حاجة لإطالة أعمار الناس أكثر مما قدر تعالى لهم ، لأنه كلما طال العمر ازداد الإنسان ضعفا. والمقصود بالآية (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ ..) الإخبار عن هذه الدار بأنها دار زوال وانتقال ، لا دار دوام واستقرار ، ولهذا قال تعالى في ختام الآية : (أَفَلا يَعْقِلُونَ) أي يتفكرون بعقولهم في ابتداء خلقهم ، ثم