تقدحون منه النار ، وتوقدونها من ذلك الشجر ، بعد أن كان أخضر. وهذا دالّ على القدرة على البعث ، فإنه تعالى جمع فيه بين الماء والنار والخشب ، فلا الماء يطفئ النار ، ولا النار تحرق الخشب. وإبراز الشيء من ضدّه : وهو اقتداح النار من الشيء الأخضر أبدع شيء ، وهو دالّ على قدرة الله تعالى.
(أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) أي إن من قدر على خلق السموات والأرض ، وهما في غاية العظم ، يقدر على إعادة خلق البشر الذي هو صغير ضعيف (بَلى) أي هو قادر على ذلك ، وبلى كلمة جواب كنعم ، تأتي بعد كلام منفي ، وكان الجواب من الله للدلالة على أنه لا جواب سواه. (وَهُوَ الْخَلَّاقُ) الكثير الخلق (الْعَلِيمُ) الواسع العلم بكل شيء ، فهو كثير المخلوقات والمعلومات.
(إِنَّما أَمْرُهُ) شأنه في الإيجاد. (إِذا أَرادَ شَيْئاً) خلق شيء. (أَنْ يَقُولَ لَهُ : كُنْ فَيَكُونُ) أي فهو يكون ، أي يحدث ، وهو تمثيل لتأثير قدرته في مراده من غير تأخر وافتقار إلى مزاولة عمل واستعمال آلة ، قطعا للشبهة في قياس قدرة الله تعالى على قدرة الخلق ، (فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ ..) أي تنزيه عما ضربوا له من المثل ، وتعجيب مما قالوا فيه ، (مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ) الملك التام والقدرة ، كالرحموت والرهبوت والجبروت ، زيدت الواو والتاء للمبالغة (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) تردون في الآخرة.
سبب النزول :
أخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال : جاء العاص بن وائل إلى رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بعظم حائل ، ففتّه ، فقال : يا محمد : أيبعث هذا بعد ما أرمّ؟ قال : نعم ، يبعث الله هذا ، ثم يميتك ، ثم يحييك ، ثم يدخلك نار جهنم ، فنزلت الآيات : (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ) إلى آخر السورة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد وعكرمة وعروة بن الزبير وقتادة والسّدّي نحوه ، وسمّوا الإنسان أبي بن خلف. وهذا هو الأصح كما قال أبو حيان ، لما رواه ابن وهب عن مالك.
وبناء عليه ، قال المفسّرون : إن أبي بن خلف الجمحي جاء إلى