(إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ : كُنْ فَيَكُونُ) أي إنما شأنه سبحانه في إيجاد الأشياء وإرادتها أن يقول للشيء : (كُنْ) فإذا هو كائن فورا ، من غير توقّف على شيء آخر أصلا.
ومقتضى ثبوت القدرة التامة لله تعالى : تنزيهه عما وصفوه به ، فقال : (فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ ، وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) أي تنزّه الله عما لا يليق به من السوء أو النقص ، فهو الذي له ملكية الأشياء كلها ، وله القدرة الكاملة على التّصرف فيها كما يريد ، وبيده مفاتح كلّ شيء ، وإليه لا إلى غيره مرجع العباد بعد البعث في الدار الآخرة ، فيجازي كل إنسان بما عمل ، فليعبده الناس جميعا وليوحّدوه ويطيعوه ، تحقيقا لمصلحتهم.
فقه الحياة أو الأحكام :
يستنبط من الآيات ما يأتي :
١ ـ عجبا لأمر الإنسان ، سواء العاص بن وائل السّهمي ، أو أبيّ بن خلف الجمحي (وهو الأصح) أو أمية بن خلف أو غيرهم ، كيف خلقه الله من يسير الماء ، وأضعف الأشياء ، ثم يصبح مخاصما ربّه ، مجادلا في الخصومة ، مبيّنا للحجة ، أي أنه صار بعد أن لم يكن شيئا مذكورا خصيما مبينا. قال أبو حيان : قبّح تعالى إنكار الكفرة البعث حيث قرر أن عنصره الذي خلق منه هو نطفة ماء مهين خارج من مخرج النجاسة ، أفضى به مهانة أصله أن يخاصم الباري تعالى ، ويقول : من يحيي الميت بعد ما رمّ مع علمه أنه منشأ من موات.
٢ ـ لقد نسي هذا الإنسان الضعيف المخلوق أن الله أنشأه من نطفة ، ثم جعله إنسانا حيّا سويا ، فهذا دليل حاضر من نفسه على إمكان البعث ، وقد احتج الله عزوجل على منكري البعث بالنشأة الأولى ، فكيف يقول الإنسان : من يحيي هذه العظام البالية؟!