المناسبة :
بعد أن حكى الله تعالى تكذيب الكفار بالتوحيد وبالنبوة ، نقل الكلام من الغيبة إلى الحضور ، مبينا أن حوار الأتباع والرؤساء من أهل الضلال لا فائدة فيه ، فإن العذاب شامل الفريقين ، وأن الجزاء العدل في الآخرة على وفق العمل في الدنيا ، ثم استثنى الله تعالى العباد الذين اصطفاهم لطاعته ، وأخلصوا العبادة لربهم ، فهم في ألوان متنوعة من النعيم المادي في الجنة من مآكل ومشارب وملابس وغير ذلك مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، وكذا من النعيم المعنوي حيث لا يشغلهم همّ ولا نصب ، ويستذكرون أحوالهم في الدنيا ، وأحاديثهم مع بعض القرناء الأخلاء.
التفسير والبيان :
يبين الله تعالى حال المكذبين الضالين ، وهو أيضا خطاب للناس ، فيقول : (إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ) أي إنكم أيها الكفار لتذوقن العذاب المؤلم في نار جهنم الذي يدوم ولا ينقطع.
(وَما تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي إن جزاء كم لحق وعدل لا ظلم فيه ، وهو عقابكم على أعمالكم من الكفر والمعاصي ، فهي سبب الجزاء : (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [فصلت ٤١ / ٤٦](وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) [الكهف ١٨ / ١٩].
بعد بيان حال المجرمين المتكبرين عن قبول التوحيد المصرّين على إنكار النبوة ، ذكر تعالى حال المخلصين في كيفية الثواب ، فقال :
(إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ ، أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ ، فَواكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ) أي ولكن عباد الله الذين أخلصهم الله لطاعته وتوحيده ، وأخلصوا العمل لله ، ناجون لا يذوقون العذاب ولا يناقشون الحساب ، بل يتجاوز عن سيئاتهم ، كما