قالوا : لقد وجدنا آباءنا على طريقة ساروا عليها في عبادتهم الأصنام ، وإنا سائرون على منهجهم مهتدون بهديهم. وهذا اعتراف صريح منهم بأنه ليس لهم مستند ولا حجّة عقلية ولا نقلية على الشرك سوى تقليد الآباء والأجداد واتّباعهم في الضّلالة. وقولهم : (وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ) ـ أي وراءهم ـ (مُهْتَدُونَ) مجرد دعوى منهم بلا دليل.
ثم أبان الله تعالى تشابه الأمم في الكفر والتّقليد والمقالة ، فقال :
(وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها : إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ ، وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ) أي إن مقال هؤلاء قد سبقهم إليه أشباههم من الأمم السالفة المكذّبة للرّسل ، فمثل تلك المقالة قال المترفون المنعّمون ـ وهم الرؤساء والزّعماء والجبابرة ـ من كل أمّة لرسولهم المرسل إليهم للإنذار من عذاب الله : إنّا وجدنا آباءنا على ملّة ودين ، وإنّا على طريقتهم سائرون متبعون.
وخصص المترفين تنبيها على أن التّنعم هو سبب المعارضة وإهمال النّظر وترك التفكّر في مضمون الرّسالة الإلهية.
ونحو الآية قوله تعالى : (كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا : ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ، أَتَواصَوْا بِهِ؟ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) [الذّاريات ٥١ / ٥٢ ـ ٥٣].
وإنما قال أولا : (مُهْتَدُونَ) لادعاء الهداية كآبائهم ، ثم قال ثانيا : (مُقْتَدُونَ) حكاية عن قوم تابعوا آباءهم في فعلهم ، دون ادّعاء الهداية ، والمعنى تقريبا واحدا.
وهذا تسلية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وتنبيه على أنّ التّقليد في الاعتقاد والعبادة ضلال قديم.