يتعام ويتغافل ويعرض عن النظر في القرآن والعمل به ، نهيئ له شيطانا يوسوس له ويغويه ، فهو له ملازم لا يفارقه ، بل يتبعه في جميع أموره ، ويطيعه في كل ما يزين له به. والعشا في العين : ضعف البصر ، والمراد هنا عشا البصيرة.
والمراد بالآية : إن من يعرف كون القرآن حقا ولكنه يتجاهل ذلك فهو في ضلال ، ومادة كل آفة وبلية الركون إلى الدنيا وأهلها ، فإن ذلك بمنزلة الرمد للبصر ، ثم يصير بالتدريج كالعشى ، ثم كالعمى.
والآية مثل قوله تعالى : (وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ ، فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) [فصلت ٤١ / ٢٥]. وجاء في صحيح مسلم وغيره أن مع كل مسلم قرينا من الجن ، وأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم.
(وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ ، وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) أي وإن الشياطين الذين يقيّضهم الله لكل من يعشو عن ذكر الرحمن ، ليمنعونهم بالوسواس عن سبيل الحق والرشاد ، ويحسب الكفار بسبب تلك الوسوسة أنهم مهتدون إلى الحق والصواب.
ثم يتبرأ الكافر في الآخرة من قرينة الشيطان ، فقال تعالى :
(حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ : يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ ، فَبِئْسَ الْقَرِينُ) أي حتى إذا وافانا الكافر يوم القيامة ، يتبرم بالشيطان الذي وكل به ، ويتبرأ منه ، ويتمنى الكافر أن بينه وبين الشيطان المقارن له من البعد ما بين المشرق والمغرب ، فبئس الصاحب الملازم للإنسان شيطانه.
وقرأ بعضهم : «حتى إذا جاءنا» أي القرين والمقارن.
ويقال لهم يوم القيامة توبيخا كما حكى تعالى :