ومع هذا ما رجعوا عن غيهم وضلالهم ، فأخذناهم أخذ قهر بإنزال العذاب عليهم بسبب تكذيبهم بتلك الآيات ، لكي يرجعوا عن كفرهم ، ويؤمنوا بالله وحده لا شريك له ، ويطيعوه فيما أمر ونهى.
وكانوا كلما جاءتهم آية يصفونها بالسحر وبأن موسى ساحر ، كما قال تعالى :
(وَقالُوا : يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ، ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ ، إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ) أي وقالوا يا أيها الساحر العالم ـ وكانوا يسمون العلماء سحرة تعظيما لهم ـ ادع لنا ربك لكشف العذاب عنا بما أخبرتنا به من عهده إليك أنا إذا آمنا كشف عنا العذاب ، فإننا بعدئذ لمؤمنون بما جئت به.
(فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ) أي فدعا موسى ربه ، فكشف عنهم العذاب ، فلما كشف عنهم العذاب ، نقضوا عهدهم ، وعادوا إلى كفرهم ، كما جاء في آية أخرى : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ ، فَاسْتَكْبَرُوا ، وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ. وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ ، لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ ، وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ. فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ ، إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ) [الأعراف ٧ / ١٣٣ ـ ١٣٥].
ثم أخبر الله تعالى عن تمرد فرعون وعتوّه وكفره وعناده ، فقال :
(وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ : يا قَوْمِ ، أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ ، وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي ، أَفَلا تُبْصِرُونَ)؟ أي لما خاف فرعون ميل القوم إلى موسى ، فجمعهم ونادى بصوته فيهم مفتخرا ، أو أمر مناديا ينادي بقوله : أليس لي ملك مصر العظيم ، فلا ينازعني فيه أحد ، والسلطة المطلقة لي ، وأنهار النيل تجري من تحت قصري وبين يدي في جناتي ، أفلا ترون ما أنا فيه من العظمة والملك ، وتستدلون به على أحقيتي بالسلطة وفرض النظام ، وتنظروا إلى فقر موسى