وفيه خير ، فقالوا : ألست تزعم أن عيسى كان نبيا وعبدا صالحا ، وقد عبد من دون الله؟ فأنزل الله : (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً) الآية».
وقد تقدم في آخر سورة الأنبياء عند قوله تعالى : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) أن عبد الله بن الزّبعري السّهمي قال : خصمت وربّ هذه البنية ، يعني الكعبة ، ألست ـ الخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم ـ تزعم أن الملائكة عباد صالحون ، وأن عيسى عبد صالح ، وهذه بنو مليح يعبدون الملائكة ، وهذه النصارى يعبدون عيسى عليهالسلام ، وهذه اليهود يعبدون عزيرا؟ قال : فصاح أهل مكة ، فأنزل الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى) ـ الملائكة وعزير وعيسى عليهمالسلام ـ (أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ).
التفسير والبيان :
(وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ) هذا لون آخر من تعنت قريش في كفرهم وعنادهم وجدلهم بالباطل ونوع خامس من كفرياتهم المذكورة في هذه السورة (١) ، والمعنى : ولما جعل ابن الزبعرى عيسى بن مريم مثلا في مجادلته مع النبي صلىاللهعليهوسلم لما نزل قوله تعالى : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) [الأنبياء ٢١ / ٩٨] إذا قومك قريش منه يضجون ويصيحون فرحا بذلك المثل المضروب. أو لم يدروا أن (ما) في قوله (وَما تَعْبُدُونَ) لغير العاقل ، وأن المقصود الأصنام والأوثان ، ولا تتناول الآية عيسى والعزير والملائكة ، فهؤلاء كلهم عباد لله موحدون ، قال عيسى في وصية قومه : الربّ إلهنا إله واحد.
__________________
(١) الأربعة السابقة : هي (١) أنهم جعلوا لله من عباده جزءا (٢) (جَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) (٣) قولهم : لو شاء الرحمن ما عبدنا الأصنام (٤) قولهم : (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ).