٣ ـ الله سبحانه عليم بما يحدث من الكفار ، ولكن اقتضت رحمته أن يشمل عباده جميعا باللطف المرة تلو المرة ، لعلهم أن يصلحوا أحوالهم ، ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر ، لأنه يمهل ولا يهمل.
وهذا معروف عن قريش ، فمن أين لهم التّذكر والاتّعاظ والاعتبار عند حلول العذاب؟ وقد جاءهم رسول من أنفسهم يبين لهم الحق ، ثم أعرضوا عنه ، بل إنهم اتّهموه زورا وبهتانا بأنه يعلّمه بشر وهو غلام رومي لبعض ثقيف ، أو تعلّمه الكهنة والشياطين ، ثم هو مجنون وليس برسول : (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ ، إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً) [الكهف ١٨ / ٥].
٤ ـ مع كلّ هذا ومع علم الله الشامل بما سيكون ، وعد أن يكشف عن قريش ذلك العذاب في زمان قليل ، ليعلم أنهم لا يفون بقولهم ، بل يعودون إلى الكفر بعد كشفه ، كما قال ابن مسعود ، فلما كشف عنهم باستسقاء النّبي صلىاللهعليهوسلم لهم ، عادوا إلى تكذيبه.
ومن قال : إن الدّخان منتظر قرب القيامة قال : أشار بهذا إلى ما يكون من الفرجة بين آية وآية ، من آيات قيام الساعة ، ثم من أصرّ على كفره استمرّ عليه.
ومن قال : هذا في القيامة قال : أي لو كشفنا عنكم العذاب لعدتم إلى الكفر.
٥ ـ إن يوم القيامة يوم رهيب ، فهو يوم البطشة الإلهية الكبرى ، ويوم الانتقام من الظالمين والمشركين والكافرين ، وذلك بعذاب جهنم.
والخلاصة : تضمّنت الآيات تحليلا دقيقا لطبائع الكفار ، ونبّهت إلى أنهم لا يوفون بعهدهم ، وأنهم في حال العجز يتضرّعون إلى الله تعالى ، فإذا زال الخوف عادوا إلى الكفر وتقليد الأسلاف ، وأخبرت عن تهديدات متكررة ، وتقريعات وتوبيخات متوالية بقصد الرّدع والزّجر وتدارك الأمر قبل فوات الأوان.