(فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً ، إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) أي أجاب الله سبحانه دعاءه ، فأمره أن يسير بقومه بني إسرائيل ليلا ، لأن فرعون وقومه يتبعونكم إذا علموا بخروجكم. وهذا كقوله تعالى : (وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي ، فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً ، لا تَخافُ دَرَكاً ، وَلا تَخْشى) [طه ٢٠ / ٧٧].
(وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً ، إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ) أي دع يا موسى البحر ساكنا منفرجا مفتوحا ، لا تضربه بعصاك حتى يعود كما كان ، ليدخله فرعون وجنوده ، فإنهم قوم مغرقون في اليم. وهذه بشارة من الله بنجاتهم وإهلاك عدوهم ليسكن قلب موسى عليهالسلام ، ويطمئن جأشه.
ثم ذكر تعالى ما خلّفوه وراءهم من عز ومجد ونعيم وثراء ، فقال :
(كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ، وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ ، وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ) أي كثيرا ما تركوا في مصر وراءهم من بساتين خضراء ، وحدائق غناء ، وأنهار متدفقة وآبار مترعة بالماء ، وزروع نضرة ، ومنازل ومجالس حسنة وثيرة ، وتنعم بالمال والخير الوفير ، كانوا يرفلون بالنعمة ويتنعمون بعيشة هنية ، ويستمتعون بأنواع اللذة ، كما يتمتع الرجل بأنواع الفاكهة ، فيأكلون ويلبسون ما شاؤوا.
(كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ) أي مثل ذلك الإهلاك والسلب والتدمير فعلنا بالذين كذبوا رسلنا ، ونفعل بكل من عصانا ، وأورثنا تلك البلاد بني إسرائيل الذين كانوا مستضعفين في الأرض ، كما قال تعالى : (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها ، وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا ، وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ ، وَما كانُوا يَعْرِشُونَ) [الأعراف ٧ / ١٣٧].
ثم تهكم الله بهم وأبدى عدم الاكتراث بشأنهم قائلا :