(فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ) أي لا أسف ولا حزن عليهم من أحد بسبب بغيهم وفسادهم ، بل عوجلوا بالعقوبة لفرط كفرهم وشدة عنادهم ، ولم يمهلوا لتوبة ، لأنها غير منتظرة منهم.
ثم أتبع الله تعالى ما يقابل النقمة بالنعمة للعبرة ، فقال :
(وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ ، مِنْ فِرْعَوْنَ ، إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ) أي لقد خلصنا شعب بني إسرائيل بإهلاك عدوهم مما كانوا فيه من الاستعباد وقتل الأبناء واستحياء النساء وتكليفهم بالأعمال الشاقة ، من عذاب فرعون الذي كان متعاليا عنيدا ، متكبرا متجبرا ، ومن المسرفين في الكفر بالله ، وارتكاب معاصيه ، ورأس الكفر : ادعاؤه الألوهية والربوبية بقوله : أنا ربكم الأعلى.
وهذا كقوله تعالى : (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً ، يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ ، يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ ، إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) [القصص ٢٨ / ٤] وقوله سبحانه : (فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً عالِينَ) [المؤمنون ٢٣ / ٤٦].
ويلاحظ أن بيان الإحسان إلى موسى وقومه كان بعد بيان كيفية إهلاك فرعون وقومه ، لأن دفع الضرر مقدم على جلب المصالح والمنافع.
ثم بيّن الله تعالى مدى تكريمه لبني إسرائيل حين ذاك قائلا :
(وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ ، وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ) أي لقد اختارهم الله على عالمي زمانهم على علم منه باستحقاقهم لذلك ، لكثرة الأنبياء فيهم ، ولصبرهم مع موسى ، وجهادهم في سبيل الله ، فلما بدلوا الإيمان بالكفر ، والصلاح بالفساد غضب الله عليهم ولعنهم وجعل منهم القردة والخنازير.