جهة إلى جهة ، ومن حال إلى حال ، مرة من الجنوب ومرة من الشمال ، وتارة تكون حارّة ، وتارة تكون باردة ، وأحيانا نافعة ، وأحيانا ضارة ، كل ذلك أيضا لأدلة عظيمة وحجج باهرة دالة على وجود الله ووحدانيته وقدرته ، التي ينتفع بها عادة أهل العقول الراجحة ، المتأملون بها ، الفاهمون لحقائقها ، ولا ينتفع بها أهل الجهل والعناد.
وهكذا يترقى المتأملون في تلك الآيات من إثبات أصل الإيمان في قلوبهم ، إلى اليقين ، إلى اكتمال العقل والنظر ، وهو ترقّ من حال إلى ما هو أعلى منها ، وهذه سمة المؤمنين الكمّل الذين استخدموا طاقاتهم الفكرية والنظرية للوصول إلى أسمى الغايات وأمثل الحالات.
وهذه الآيات شبيهة بقوله تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ ، وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ ، وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ ، فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها ، وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ ، وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ ، وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [البقرة ٢ / ١٦٤].
ثم أوجز الله تعالى العبرة من تلك الآيات بقوله :
(تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ، فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ) أي هذه الآيات المذكورة هي حجج الله وبراهينه وبيناته نتلوها عليك أيها النبي متضمنة الحق المبين ، ونحن محقون صادقون فيما ننزله عليك من القرآن المتلو ، ليستفيد منها البشر قاطبة ، فإذا كانوا لا يؤمنون بها ، ولا ينقادون لها ، فبأي حديث أو كلام بعد حديث الله وكلامه وآياته وهو القرآن يؤمنون ويصدقون؟! وعبّر ب (تِلْكَ) إشارة إلى علو مرتبة الآيات.
والخلاصة : من لم يؤمن بكلام الله فلن يؤمن بحديث بعده.