التفسير والبيان :
(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ، ساءَ ما يَحْكُمُونَ) أي بل أظن هؤلاء الذين اقترفوا الإثم والشرك والمعاصي في الدنيا ، فكفروا بالله ورسله ، وعبدوا غيره ، أن نجعلهم كالذين صدقوا بالله ورسله ، وعملوا الأعمال الصالحة من إقامة الفرائض واجتناب المحارم ، بأن نسوّي بينهم في الجزاء والثواب والرحمة في دار الدنيا والآخرة ، كلا لا يستوون ، فإن حال أهل السعادة في الآخرة غير حال أهل الشقاوة ، لقد ساء ما ظنوا ، وبئس ما حكموا أن نسوي بين الأبرار الطائعين وبين الفجار العاصين في الدنيا والآخرة. والمعنى : إنكار أن يستوي الفريقان حياة وموتا ، لأن المحسنين عاشوا على الطاعة ، وإنهم عاشوا على المعصية ، ومات أولئك على البشرى والرحمة ومات هؤلاء على الضدّ. وقيل : معناه إنكار أن يستويا في الممات ، كما استووا في الحياة من حيث الصحة والرزق ، بل قد يكون أحسن حالا من المؤمن ، فالفرق المقتضي لسعادة المؤمن وشقاوة الكافر إنما يظهر بعد الوفاة.
ونظير الآية قوله تعالى : (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ ، أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ) [الحشر ٥٩ / ٢٠] وقوله سبحانه : (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) [القلم ٦٨ / ٣٥ ـ ٣٦] وقوله عزوجل : (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) [ص ٣٨ / ٢٨].
وهذا دليل واضح أيضا على التفرقة في مصير المؤمن الطائع والمؤمن العاصي.
أخرج الطبراني عن مسروق أن تميما الداري قام ليلة حتى أصبح يردد هذه الآية : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ، ساءَ ما يَحْكُمُونَ).