وبعد بيان التفاوت بين المؤمن والكافر في الآخرة والدنيا ، أقام الدليل على صحة هذا المبدأ وحكمته ، فقال تعالى :
١ ـ (وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) أي أوجد الله وأبدع السموات والأرض بالحق المقتضي للعدل بين العباد ، فلو لم يوجد البعث والحساب والجزاء ، لما كان ذلك الخلق بالحق بل كان بالباطل ، ومن العدل : اختلاف الجزاء بين المحسن والمسيء ٢ ـ (وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ ، وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) أي خلق الله السموات والأرض بالحق ، ليدل بهما على قدرته ، ولكي تجزي كل نفس بما قدمت من عمل صالح أو سيء ، وهم أي المخلوقون لا يظلمون بنقص ثواب أو زيادة عقاب ، فلو ترك الظالم الذي ظلم غيره في الدنيا ، ولم يقتص منه في الآخرة ، لما كان خلق السموات والأرض بالحق.
فيكون قوله (وَلِتُجْزى) معطوفا على قوله : (بِالْحَقِ) والتقدير : وخلق الله السموات والأرض لأجل إظهار الحق ، ولتجزي كل نفس ، والمعنى أن المقصود من خلق هذا العالم إظهار العدل والرحمة ، وذلك لا يتم إلا إذا حصل البعث والقيامة ، وحصل التفاوت في الجزاء والدرجات والدركات بين المحقين وبين المبطلين.
ثم أبان الله تعالى أحوال الكفار وقبائحهم وسوء جناياتهم ، فقال :
(أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ ، وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ ، وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ ، وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً ، فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ ، أَفَلا تَذَكَّرُونَ)؟ أي أخبرني عن حال ذلك الكافر الذي أطاع هواه ، وترك الهدى ، واتخذ دينه ما يهواه ، فكأنه جعل الهوى إلهه يعبده من دون الله ، فلا يهوى شيئا إلا تبعه ، دون مراعاة لما يحبه الله ويرضاه ، فهذا مما يدعو إلى العجب ، وكان الحارث بن قيس لا يهوى