مؤمن بربه ، ناكر حكمته ورحمته!.
ثم القرآن يذود عن ساحته كل شين ورين ، وهنا «ليضلوا» لا يدل على إضلال قاصد دون سبب صالح ، بل هو مثل (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) (٦١ : ٥) إزاغة بزيغ جزاء وفاقا ، كما (أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) (١٩ : ٨٣) (وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) (٤١ : ٢٥) (وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ) (١٤ : ٢٧) (وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) (٧ : ١٨٣) ، هذه وما أشبه تدلنا على أن الله تعالى يستدرج الظالمين ويمهلهم ليخرج مكين كيدهم ومكنون سرهم.
لذلك هنا يطلب موسى بقطع أسباب فرعون عن إضلاله وعن إيمانه : (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) ، وحقيقة الطمس هي محو الأثر من قولهم : طمست الكتاب إذا محوت سطوره ، وطمست الريح ربع الحي ، إذا محت رسومه ، فكان موسى دعى الله سبحانه بأن يمحو معارف أموالهم بالمسح لها حتى لا يعرفوها ولا يهتدوا إليها ، وتكون منقلبة عن حال الانتفاع بها ، حيث الطمس هو تغير حال الشيء إلى الدثور والدروس ، ثم (وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ) هو الختم عليها والطبع.
وليس «ليضلوا» غاية مقصودة ل «أتيت» بل هي واقعية معلومة لله وكما في أخرى غير معلومة لفرعون وملاءه معلومة لله : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) (٢٨ : ٨).
__________________
ـ أيها السيد. لست أنا صاحب كلام منذ أمس ولا أول من أمس ولا حين كلمت عبدك ، بل أنا ثقيل الفم واللسان. فقال له الرب : من صنع للإنسان فما أو من يصنع أخرس أو أصم أو بصيرا أو أعمى. أما هو أنا الرب. فالآن اذهب وأنا أكون مع فمك وأعلمك ما تتكلم به ، فقال : استمع أيها السيد. أرسل بيد من ترسل. فحمى غضب الرب على موسى وقال : أليس هارون اللّاوى أخاك. أنا أعلم أنه هو يتكلم وأيضا ها هو خارج لاستقبالك ... وهو يكون لك فما وأنت تكون له إلها» (الخروج ٤ : ١٠ ـ ١٦).