لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)(١٩).
(كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٢ : ٢١٣) آية البقرة هذه المدنية تفسر آيتنا هذه المكية ، وهذه طبيعة الحال في التفصيل المتأخر بعد إجمال ، ولقد فصلنا القول حول كون الناس أمة واحدة واختلافهم بعد الوحدة على ضوء آية البقرة فلا نعيد هنا إلا إجمالا كما أجمل في نفس الآية.
«كان» قد تعني الكينونة الطبيعية الإنسانية دون نظرة إلى سابق زمان ، فقد كانوا ـ وهم بعد كائنون ـ أمة واحدة في قضايا الفطرة ، فأمة واحدة ـ قبل هدى الوحي ـ ضلّالا عما يأتي به الوحي من تفصيل «فاختلفوا» بعد الوحي إلى مصدقين ومكذبين.
وأخرى تعني الكينونة السابقة الزمنية حتى نزل فيهم الوحي فاختلفوا إلى هذين ، وعلى أية حال فذلك الإختلاف المقصر عن الوحي وفيه ، ولا سيما (بَغْياً بَيْنَهُمْ) كان مما يحق به العذاب : (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) وهي كلمة الإمهال ـ دون إهمال ـ إلى أجل مسمى (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) قضاء واقعيا فيه الجزاء الحق فانقضاء أهل الباطل وبقاء أهل الحق ، فلقد قضى الله دون جزاء بين كل هؤلاء المختلفين في كتابات وحيه ، ف (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) تعني قضاء غير ذلك القضاء الذي هو قضية أصيلة للوحي الرسالي.
(وَيَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) (٢٠).
هنا القصد من (آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) بين آيات محسوسة كما كانت لرسل الله من قبل : (وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ ..) (٦ : ١٢٤) وبين آيات مقترحة ،