وقد تعني هنا «رحمة» النعمة والسراء ، فانتزاعها منه هو إبداله بها الشدة والضراء ، إجراء له في مضمار الابتلاء والاختبار ، أو مصلحة يكون معها أقرب إلى الإصلاح والرشاد ، وقد يؤيده : (وَلَئِنْ أَذَقْناهُ ..).
وإنها صورة سائرة صادقة لهذا الإنسان العجول الجهول ، القاصر المقصر في كل الحقول ، حيث يعيش لحظته الحاضرة ويطغى عليه ما يلابسه ، ناسيا اللحظات الغابرة ، غير مفكر في المستقبلة ، يؤسا من الخير المنزوع عنه لفترة ، كفورا بكل خير ذاقه من ذي قبل وإن كان عمرا طائلا ، «والدهر يومان يوم لك ويوم عليك فإذا كان لك فلا تبطر وإذا كان عليك فاصبر فبكلاهما ستختبر».
(إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ)(١١).
(الَّذِينَ صَبَرُوا) في الشدة والرخاء ، ففي الشدة لا ييأسون من رحمة الله وهم يعملون الصالحات ، وفي الرخاء لا ينسون الله وهم يعملون الصالحات ، فالصبر والعمل الصالح لهم زاد وراحلة في اجتياز الطرق الملتوية المختلفة ، يعيشون على حالة واحدة من الصبر وعمل الصالحات في كلا الشدة والرخاء ، بكامل الإيمان والرجاء.
ذلك والصبر على النعمة هو أصعب من الصبر على الشدة ، فكثير من المؤمنين يصبرون على الشدة تجلّدا وإباء أن يظهر عليهم الضعف والفتور ، ثم وقلة قليلة هي الصابرة على النعمة دون اغترار ولا تبطّر.
فالإيمان الجادّ المتمثل بصالح الإعمال على أية حال هو الذي يعصم المؤمن من اليأس الكافر في الشدة والضراء ، كما يعصمه من البطر الفاجر في النعمة والرخاء والسراء ، صبرا في السراء والضراء على سواء ، فلا يتهاوى ويتهافت تحت مطارق البأساء ، كما لا يتنفّج ويتعالى عند ما تغمره السراء.
(فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا