أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ)(١٢).
«لعلك» هنا تبيين لقاسية الظروف الرسالية لهذا الرسول العظيم ، أن لولا العصمة الربانية لكان ـ علّه ـ تاركا بعض ما يوحي الله من جراء تكذيبهم الدائب إياه ، (وَضائِقٌ بِهِ) : ـ ببعض ما يوحى إليك ـ «صدرك» حيث لا تتحمله حين يكذبونك فيه ، فمهما ينشرح صدره بما يوحى إليه ولكنه قد يضيق بما يكذّب فيما انشرح به صدره ، (إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ) كسائر النذر (عُذْراً أَوْ نُذْراً) وليس عليك هداهم ف (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) (٣ : ٢١) (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) فلست أنت عليهم بوكيل ولا نائب ولا خليفة ولا مخول في أمرهم ، (إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ).
وقد تمسك ب «لعل» هنا مجاهيل من المبشرين أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) ترك بعض ما أوحي إليه وضاق به صدره (١) ويكأن «لعل» ـ المشكلة ـ في أدبهم غير الأديب ولا الأريب ، تعني «أنّ» الحاتمة لمدخولها ، وهي لا تعني إلّا بيانا لقاسية الظروف الرسالية مثل (لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) وما أشبه.
ولو أن «لعلّ» ـ التي تجعل مدخولها في بقعة الإمكان ، نافية للاستحالة ـ لو أنها تحتّم مدخولها لها بمجرد ذكرها ، لكان ـ إذا ـ كل ما
__________________
(١) كالحداد البيروتي في كتابه «القرآن والكتاب» ج ٢ : ٧٠٨ حيث يقول : الرابعة التسلسل التاريخي إمكان ترك النبي بعض ما يوحى إليه ، ما زالت تحديات المشركين تترى على محمد لإثبات رسالته بمعجزة كالأنبياء الأولين ، ولما ضايقوه همّ بترك بعض ما يوحى إليه «فلعلك ..» (١١ : ١٢) ... أجل لا يلزم من توقع النبي الشيء حدوثه ، ولكن مجرد التهمة شبهة ، وضيق صدر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عن عدم وقوع المعجزة دليل على ما هم به من ترك بعض الوحي ، ولولا عزم النبي على ترك بعض الوحي ، ما كان القرآن وبّخه هذا التوبيخ اللاذع ، فلا يليق بالله توبيخ بلا ذنب ومعاقبة بلا زلّة ، وفي قصة النسيان المقصود من الله دليل على إمكانية وقوع الترك».
أقول : القصد من النسيان المقصود ما خيّل إليه من (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى إِلَّا ما شاءَ اللهُ ..) وليس الاستثناء إلا عن الإقراء ، سنقرئك إلا ما شاء الله ألا يقرئك.