بالإمكان واقعا لا محالة ، فليكن المستدل بها على الوقوع مجنونا جاهلا قاحلا لإمكانيتها فيه ، أم ليكن ميتا أو لمّا يولد وما أشبه من إمكانيات غير واقعة ، أنها واقعة.
إنما «لعل» هنا وفي أضرابه للتأشير إلى عشير النكير المتواتر من هؤلاء المجاهيل ـ كقائل هذه القولة الغائلة ـ لهذه الرسالة السامية.
ثم ومثل شديد التهديد (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ. ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ) (٦٩ : ٤٦) كان يتربصه لو أنه غيّر سلبيا أو إيجابيا بعض ما أوحي إليه ، فكما أن الزيادة في الوحي توحي بفرية الوحي ، كذلك النقيصة منه توحى بعدم الوحي ، ف «أوحى إلي ربي» ولم يوح إليه ، لا يختلف عن «لم يوح إلي ربي» وقد أوحى إليه ، والرسول بكل كيانه الرسالي إذاعة للوحي قولا وعملا وتقريرا ، والسكوت عن بعض ما أوحي إليه نطق بأنه لم يوح إليه وقد أوحي!.
ذلك ، وقد شرح الله صدره عند بزوغ الوحي بهذه الرسالة القدسية ، فليس ليضيق صدره إلّا بما يضيّق صدره من تكذيبه في رسالته ، ضيق هو من قضايا الشرح ، ثم ولم يضق صدره لذلك أيضا ، وإنما كاد ، وعصمه الله عنه كما عصمه عن ترك بعض ما أوحى إليه.
ولو أنه ترك بعض ما أوحي إليه لكان متروكه مذكورا في الذكر الحكيم إذ (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (١٥ : ٩) وكيف يحفظ القرآن بترك بعضه؟ إنما هو «لعلك» بيانا لإحراج موقفه لحد علّه يترك بعض ما أوحي إليه مخافة تكذيبه المتواصل ، ولكن الله طمأنه وآمنه فلم يترك ولن.
ثم وليس من المعقول ـ ولا سيما بالنسبة لأعقل العقلاء ـ أن يترك بعض الوحي ويفضح نفسه في كتاب وحيه نفسه ليسقط عن الإعتبار ، وهو خيانة في الوحي ، وليس الله بساكت عنها أبدا!.
وقد يعني «تارك» ـ إلى ما يعنيه ـ ترك إبلاغه إلى هؤلاء المكذبين وهو يبلغه إلى المصدقين حيث الترك ليس يختص بالسلب الطليق ، بل