عَلِيماً حَكِيماً. وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) (٤ : ١٧ ـ ١٨).
فتأخير الإيمان إلى رؤية البأس ، وهو إيمان للبأس ، وقد سبقه كل عصيان وإفساد ، ذلك مما يمنع باتّا لا حول عنه عن قبول التوبة ، فقد يقبل صالح الإيمان عند رؤية البأس : (فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ) (١٠ : ٩٨) ولكنه إذا كان صادقا ولم يعش صاحبه كل المظلمات والعصيانات.
(فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ) (٩٢).
(نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ) دون روحك ، ودون كل حياتك خلاصا عن الغرق «ننجيك» لا نجاة لك ، بل نجاة لمن ألّهك عما كانوا يظنون «لتكون» ببدنك «لمن خلف» حاضرين ومستقبلين «آية» مجسدة ربانية تقضي على (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) وتثبت أن الله هو الرب لا سواه (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ).
إذا فالمفروض بقاء بدنه آية ، وكما نراه في دائرة الآثار العتيقة بالقاهرة ، ولقد رأيت جثمان فرعون فيها وكان بجنبي مستشرق مسيحي من إنجلترا فقلت له هذا ما أخبر عنه القرآن : (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ ..) فقال حائرا قلقا : ويكأن القرآن فيه كل غيب ، فلان للإيمان!.
هنا (لِمَنْ خَلْفَكَ) دون «قومك» وما أشبه ، تخلّف خلفا واسعا فيه من قوم فرعون ومن بني إسرائيل (١) الحاضرين ومن خلفهم إلى ما شاء
__________________
(١) نور الثقلين ٢ : ٣١٩ في علل الشرايع بسند متصل عن محمد بن سعيد الإذخري وكان ممن يصحب موسى بن محمد بن محمد بن علي الرضا أن موسى أخبره أن يحيى بن أكثم كتب إليه يسأله عن مسائل فيها : وأخبرني عن قول الله عزّ وجلّ : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا