أجل فالمصلحون في القرى هم أولوا بقية فيها ، إبقاء لأهلها كلهم أم لهم أنفسهم ولغير الظالمين (ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ) (٢١ : ٩) (وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ) (٢٨ : ٥٩).
أجل والتناهي عن المنكر هو من أصول البقاء لأية أمة مهما كانت ظالمة حيث «أهلها ينصف بعضهم بعضا» (١) وينصح بعضهم بعضا.
وهكذا يصبح أصحاب الدعوة الصالحة ، المصلحة في خضمّ الفساد والإفساد ، يصبحون هم صمام الأمان وضمانة للأمم والشعوب ، وهذا مما يبرز قيمة الكفاح الصارم للدعاة إلى الله حيث يقفون للظلم والفساد بكل صورة ، فيحولون بين غضب الله وبين المغضبين الله.
وهنا إجابة عن سؤال لما ذا لم يجعل الناس أمة واحدة في تكوين وتشريع ، أن يسلكوا كلهم مسلكا واحدا دونما إختلاف ونشوز :
(وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)(١١٩).
ف «لو» تحيل ذلك الجعل الجاهل القاحل في ساحة الربوبية في حقلي التكوين والتشريع ، إذ (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (٥ : ٤٨).
وفي حقل التكوين : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (١٦ : ٩٣) ـ
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ٣٥٦ ـ أخرج الطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والديلمي عن جرير قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يسأل عن تفسير هذه الآية فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : وأهلها ينصف بعضهم بعضا.