يعنى منه (وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ).
ف «أهلها» هنا هم الآهلون للإصلاح ، وهم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض ، أم وهم كل أهلها إذا كانوا مصلحين بجانب ظلم منهم ، (خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً).
ذلك ، ولكن النبيين المصلحين في القرى الظالمة ، وهم أهلها الخصوص ، لم يكن إصلاحهم ليمنع عن إهلاكهم كقوم عاد وثمود وفرعون وأضرابهم.
إذا ف «أهلها» هم بين كل آهليها ، أم وهم أولوا بقية في إصلاحهم تبقية للظالمين فيها على شرعة الله.
فما صدق (وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ) فيهم كفاءة التبقية ، ما يكافح حدة الظلم ، إذا ف (ما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ).
هنا (وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ) وفي الأنعام (ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ)(١٣٠) حيث تعني الغفلة ـ قاصرة ومقصرة ـ غير العاندة ولا المعمّدة.
إذا فأولوا بقية شأنهم شأن التبقية لأهل القرى التي يعيشونها فيعيّشونها بما ينهون عن الفساد فيها ، إذ يخفّفون الفساد ، ويصلحون جمعا بما ينهون ، فيختص ـ إذا ـ استحقاق الهلاك بالمتمردين من أهل القرى مثل أصحاب السبت ، حيث نجى الذين ينهون عن السوء دون سواهم ، سواء العاملين السوء والتاركين النهي عن السوء.
فمثل قوله تعالى : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) (٨ : ٢٥) قد يعني أولي بقية وهم الصالحون للأمر والنهي أن يتقوا فتنة شاملة تشملهم إذا لم يقوموا بشأن الأمر والنهي.
فمن أسباب الهلاك الشامل للقرى الاستمرار في الظلم لجموع ، والآخرون ساكتون ، ومن أسبابه لهلاك الظالمين فقط نهي أولي بقية وهم لا ينتهون ، فيشتدّ ـ إذا ـ عذابهم : (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ. ذِكْرى وَما كُنَّا ظالِمِينَ) (٢٦ : ٢٠٩).